الخميس 25-04-2024 08:37:50 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكرى تأسيسه الثلاثين.. تجمع الإصلاح ودوره في الحفاظ على الجمهورية والوحدة

الأربعاء 16 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

تعددت أدوار التجمع اليمني للإصلاح في الحفاظ على مختلف المنجزات والمكتسبات الوطنية، وفي مقدمتها النظام الجمهوري والوحدة الوطنية، فالنظام الجمهوري طوى مرحلة الظلام من نظام الحكم الإمامي السلالي الكهنوتي المستبد، بينما الوحدة الوطنية طوت مرحلة الانقسام والتشطير والصراعات العبثية والصفرية بين أبناء البلد الواحد، غير أن هشاشة الأنظمة الحاكمة والأخطاء التي رافقت طريقة إدارة البلاد بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وبعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، كل ذلك تسبب في ظهور ثغرات شجعت فئات شاذة وطنيا على استدعاء رواسب التاريخ من مخلفات الإمامة ودعاة الانفصال من أجل مصالح ضيقة، حيث أحيت النعرات السلالية والمناطقية المتخلفة، فأنهكت الوطن في دوامة صراع نعيش اليوم أسوأ مراحلها.

ونظرا لتشابك مختلف أزمات المنطقة، وبروز تأثير العامل الدولي في الأزمة اليمنية، فإن ذلك زاد من خطورة الأزمة المحلية، وبالتالي ازدياد التحديات التي تهدد النظام الجمهوري والوحدة الوطنية، كون هناك أطراف أجنبية تدعم عودة الإمامة السلالية ونظامها الكهنوتي في البلاد، وأطراف أخرى تدعم انفصال جنوب اليمن، ولذا، فإن ذلك جعل التجمع اليمني للإصلاح يبادر إلى الاضطلاع بدوره الوطني للحفاظ على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية، مقدما في سبيل ذلك كل ما يمكنه تقديمه، غير آبه بالمؤامرات المختلفة التي تحاك ضده، والهادفة إلى تحييده واستبعاده من الصراع، لكي يخلو الجو لأصحاب المشاريع الهدامة لتمرير مخططاتهم لتمزيق البلاد والقضاء على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية.

- الجمهورية والوحدة كأبرز المنجزات

تنظر الأجيال اليمنية الجديدة نظرة إكبار وإجلال لتضحيات اليمنيين الأوائل الذين سطروا البطولات ضد نظام الحكم الإمامي الكهنوتي وضد الاحتلال الأجنبي لليمن وما تمخض عن كل ذلك من انقسام وشتات وصراعات داخلية، كان من نتائجها المدمرة حينذاك توقف التراكم الحضاري لليمنيين وطمس أبرز معالم الحضارة اليمنية القديمة، ولولا تضحيات اليمنيين الأوائل لكانت الإمامة الكهنوتية قد هيمنت هيمنة تامة على البلاد ولا سبيل للخلاص منها، غير أن حركات التحرر الوطني ونضال أحرار اليمن كبد الإمامة الكهنوتية الخسائر تلو الخسائر، وتراكمت الانتصارات والمكتسبات حتى تحقق النظام الجمهوري والوحدة الوطنية كأبرز وأهم حصاد لعقود وسنوات النضال.

وإذا كانت عودة الإمامة الكهنوتية اليوم، وعودة مشاريع تمزيق وتقسيم البلاد، قد ظهرت كمحصلة طبيعية للأخطاء التي تراكمت في العهد الجمهوري وما بعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، فإن الواجب يقتضي الالتفاف حول تلك المكتسبات والدفاع عنها والتضحية من أجل ذلك بالغالي والنفيس، وهنا وجد التجمع اليمني للإصلاح نفسه أمام مهمة وطنية تاريخية تقتضي منه ومن كافة شركاء العمل السياسي وشرفاء الوطن التصدي بحزم وبسالة للمشاريع الإمامية الكهنوتية السلالية ومشاريع التمزيق المناطقية والقروية، وحراسة المكتسبات والمنجزات التي تحققت بفضل تضحيات الأجداد الأوائل وعدم التفريط بها، واعتبار المرحلة الحالية مرحلة تاريخية لتصحيح الاختلالات والقصور الذي مهد لعودة مثل تلك المشاريع الهدامة، وبالتالي تحصين المكتسبات الوطنية بمشروع وطني كبير يضمن عدم عودة مثل تلك المشاريع مجددا.

- الحفاظ على النظام الجمهوري

واجه النظام الجمهوري العديد من التحديات الصعبة منذ اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى الآن، تتمثل في محاولات الكيان الإمامي الكهنوتي الانقضاض على الثورة والإطاحة بالجمهورية وعودة نظام حكم الإمامة، بالإضافة إلى محاولات نظام حكم علي صالح إفراغ النظام الجمهوري الديمقراطي من مضمونه وتحويله إلى نظام حكم عائلي، الأمر الذي مهد الأرضية الملائمة للدولة العميقة للإمامة بأن تنخر النظام الجمهوري من داخله تمهيدا للانقلاب، وهو ما حدث بالفعل، حيث تكرر اليوم أبرز تحدٍّ للنظام الجمهوري بعد اندلاع الثورة السبتمبرية مباشرة، عندما أشعلت الإمامة حربا أهلية دامت نحو سبع سنوات في مسعى منها لوأد الثورة السبتمبرية واستعادة حكمها الكهنوتي. واليوم، مضت أكثر من خمس سنوات من الحرب التي أشعلتها المليشيات الحوثية الإمامية الكهنوتية، في مسعى منها لاستعادة عهد الكهنوت والنظام الإمامي البائد.

وكان التيار الفكري الذي أسس حزب الإصلاح عام 1990 قد قام قبل ذلك بدور كبير في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962 فور اندلاعها، وخاض مع بقية فئات الشعب حربا شرسة ضد الكيان الإمامي الذي استجمع قواه وأشعل الحرب الأهلية بهدف القضاء على الثورة ورموزها، وكانت فكرة النظام الجمهوري الوليد فكرة براقة استهوت عددا كبيرا من أبناء الشعب الذين هبوا للدفاع عن الثورة والجمهورية بعد معاناتهم الطويلة من الحكم الإمامي الكهنوتي.

غير أن حرب السنوات السبع التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر 1962 انتهت بما أطلق عليه "مصالحة وطنية"، منحت بقايا الكيان الإمامي حق المشاركة في السلطة مقابل اعترافهم بالنظام الجمهوري، وكان ذلك بمثابة ثغرة تسلل منها الإماميون تدريجيا في جسد الجمهورية، ثم إن مدة حكم الرئيس السابق علي صالح، التي استمرت 33 عاما، كانت بمثابة العهد الذهبي للكيان الإمامي، خاصة بعد أن بدأ الترتيب لمشروع التوريث، الذي كان من متطلباته الأساسية تشكيل جيش عائلي وفقا لعصبيات مذهبية وقبلية ومناطقية، فاخترق الكيان الإمامي ذلك الجيش ليستخدمه فيما بعد في الانقلاب على السلطة الشرعية وإشعال الحرب الأهلية، وكان علي صالح نفسه ضحية ذلك الجيش الذي أسسه بنفسه وأنفق عليه بسخاء.

يضاف إلى ذلك العديد من الممارسات التي كان نظام علي صالح يسعى لترسيخها لتصير وكأنها من ثوابت الحياة السياسية في اليمن، وكانت في مجملها تنخر النظام الجمهوري وتضعف صلابته، وتمكن الكيان الإمامي من التوغل في مفاصل السلطة والجيش، من بينها: اللعب على ورقة الطائفية في لحظات اشتداد الصراع السياسي، وتزوير الانتخابات التي تعد من أهم معالم النظام الجمهوري، وبناء علاقات زبائنية قائمة على تبادل المصالح بأسلوب يهمش الدولة وإحلال القبلية والمناطقية والمذهبية مكانها.

كما أن علي صالح دخل في علاقة مصاهرة مع إحدى العائلات السلالية لتنويع علاقاته الزبائنية، ثم إنه منح الكيان السلالي بعض الامتيازات فيما يتعلق بإنشاء شركات تجارية، واعتماد منح دراسية لأبنائهم للدراسة في الخارج تدفع تكاليفها من خزينة الدولة، وهذه الامتيازات التي منحها علي صالح للكيان السلالي تعود لتنشئته وطريقة تفكيره، كونه قدم من محيط قبلي ما زال يعلي من شأن العائلات السلالية التي تطلق على نفسها صفة "الهاشميين".

وفي خضم وضع حالك السواد كهذا، انتهج حزب الإصلاح خطا سياسيا معارضا من شأنه إعادة ترميم التصدعات التي حلت بالنظام الجمهوري، وظل يحذر من مشروع التوريث وبناء جيش عائلي وفقا لانتماءات مناطقية ومذهبية وعائلية، كما كان حزب الإصلاح يعمل على ترسيخ الممارسة الديمقراطية، ويشدد على مبدأ التداول السلمي للسلطة، باعتبار ذلك من أهم ركائز النظام الجمهوري، وتمكن من محاصرة الفكر الإمامي الكهنوتي في أهم معاقله الرئيسية من خلال نشر الفكر الوسطي المعتدل، مما دفع عددا كبيرا من المواطنين إلى التخلي عن فكر الكيان الإمامي والتحول إلى الفكر الوسطي المعتدل.

وعندما بلغ الخطر على النظام الجمهوري ذروته، أي عندما سلم الرئيس السابق علي صالح المعسكرات ومخازن السلاح وكل إمكانيات الدولية للحوثيين، والذين بدورهم سيطروا على عدد من المدن وانقلبوا على السلطة الشرعية، في هذه اللحظة أعلن حزب الإصلاح مساندته وتحالفه مع السلطة الشرعية، وتأييده لعملية "عاصفة الحزم" في اليمن بقيادة السعودية، ودعا كافة أنصاره ومنتسبيه للالتحاق بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية للحرب ضد الكيان الإمامي الكهنوتي والحفاظ على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية.

وفي يونيو الماضي، أصدر حزب الإصلاح بيانا شديد اللهجة ضد مليشيات الحوثي كان بمثابة وثيقة تاريخية، وفيه هاجم، ولأول مرة، يحيى بن الحسين الرسي مؤسس الدولة الإمامية (الزيدية) في اليمن، وطالب الإصلاح في بيانه بتجريم كل أشْكال العنصرية والتمييز الطبقي، وكل ما من شأنه أن يتعارض مع قيم العدالة والمساواة والمواطنة، كما هاجم الإصلاح في بيانه الأسس الفكرية والجذور التاريخية التي يقوم عليها التيار الإمامي.

- الحفاظ على الوحدة

تعرضت الوحدة الوطنية للتحديات بعد مدة قصيرة من إعادة تحقيقها عام 1990، بفعل الخلافات التي نشبت بين طرفي الوحدة الحاكمين لشطري البلاد قبل ذلك، وتمحورت الخلافات في الأساس حول النفوذ والمصالح، ومما زاد الطين بلة تلك الأخطاء التي رافقت طريقة إعادة تحقيق الوحدة، مثل احتفاظ كل من نظامي الشطرين سابقا بقواته المسلحة وأجهزته الأمنية ووسائل الإعلام الخاصة به بدون اندماج حقيقي، حيث بدت دولة الوحدة وكأنها جسد واحد لكن له رأسان يتناطحان، ثم اشتدت وتيرة الأزمة بعد انتخابات 1993 البرلمانية التي لم تكن نتيجتها مرغوبة لبعض الأطراف، وانسدت آفاق الحل بسبب تصلب كل طرف في مواقفه حتى اندلعت حرب صيف 1994 الأهلية.

لم يكن حزب الإصلاح حينها من دعاة الحرب لتسوية الخلافات التي تهدد الوحدة الوطنية، بل فقد حرص منذ اليوم الأول لنشوب الأزمة بين حزبي المؤتمر والاشتراكي على حل الخلافات بالطرق السلمية، وظل يعمل ما بوسعه من أجل عدم وصول الخلافات إلى المواجهات العسكرية. وفي هذا السياق، تقدم رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح ورئيس مجلس النواب، الشيخ عبد الله الأحمر رحمه الله، بوساطة لإنهاء التوتر حفاظا على الوحدة، حيث تم تشكيل لجنة وساطة برئاسته وعضوية عدد من أعضاء مجلس النواب، أخذت على عاتقها سماع الشكاوى المختلفة سعيا لحلها، ثم ذهبت اللجنة إلى عدن في 5 أكتوبر 1993، واجتمعت مع نائب رئيس مجلس الرئاسة علي سالم البيض، واستمعت منه إلى عدد من الشكاوى، غير أن البيض تصلب في موقفه والشروط التي طرحها لكي يخرج من اعتكافه في عدن ويعود لصنعاء.

بعد ذلك، شارك الإصلاح ضمن لجنة حوار القوى السياسية التي تشكلت في 22 نوفمبر 1993، وضمت في عضويتها 38 شخصية، وتقدمت ببرنامج لحل الأزمة وبناء اليمن الجديد، لكنها فشلت في ردم الهوة بين الرئيس علي صالح ونائبه علي البيض، وفشلت كل الوساطات المحلية والأجنبية في حل الخلافات حتى اندلعت الحرب في صيف 1994، واختار حزب الإصلاح الوقوف إلى جانب القوى الوحدوية رفضا لمؤامرة الانفصال، وما زال تجمع الإصلاح على موقفه الثابت بشأن الوحدة الوطنية، وإصلاح أي اختلالات بشأنها بالطرق السلمية والحوار، ورفض كل مشاريع تمزيق البلاد وتفكيكها.

كلمات دالّة

#اليمن