الخميس 25-04-2024 04:28:09 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قيم حضارية خلدها القرآن.. الحيوان الحامل للقيم نموذجا (2-2)

الإثنين 24 فبراير-شباط 2020 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي
 

 


مدخل مفاهيمي:

أولا- القصة القيمية عند الحيوان والمقصد القرآني المنشود:

1- جاءت بعض سور القرآن بأسماء حيوانات.. الأنعام ..النحل.. النمل الفيل.. ولا شك أن للقران مقاصد من هذه التسمية.

2- لم يكتف العليم الحكيم بما سبق.. وإنما أورد قصصا عن حيوانات.. التزموا المسؤولية الأخلاقية.

3- الهدف القرآني في الحالين الآنفين.. يعطينا دلالات واضحة وهي "تخليد حملة القيم"، بعض القيم أو كلها، لاسيما القيم ذات الصلة بالشأن العام- جلب منفعة أو دفع مفسدة.

4- الاقتداء والتأسي بحملة هذا النوع من القيم.. (فبهداهم اقتده).

ثانيا- العبرة.. والعظة:

1- العبرة في الاستعمال القرآني:
هدف تربوي تزكوي عام.. كما أنها في ذات الوقت سنة كونية ذات تأثير بالغ في النفس البشرية فردا واجتماعا.

2- العِظَةُ.. في الاستعمال القرآني من خلال السياقات القرآنية نجد أنها لا تعني ترقيق القلب وزرع الخشية في الشعور والوجدان فقط.. وإنما لها دلالات ذات صلة أقوى بسنن الاجتماع السياسي.. وحماية النسيج المجتمعي والاجتماع الأسري.. فلننظر في السياق التالي: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعِمّا يعظكم به).

يا الله.. ما دلالة هذه العظة في هذا السياق؟ بصيغة أخرى.. ما هي الأخطار أو ما هي العواقب الكارثية المترتبة على انتهاك الأمانة وعدم الحكم بالعدل.. حتى إن خالق السموات والأرض وعظنا في هذا السياق؟

الواقع المعيش خير من يجيب على السؤال.

(ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر).. ورد هذا النص في سياق آيات الطلاق واعتداد المطلقات والرضاع والحضانة... إلخ.

لم يكتف السياق بجملة الوعظ الآنفة.. وإنما عزز بآيات ذات دلالات أكثر وعظا.. تعال نقرأ: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا)... إلخ الآية.

قررت الآيات وعظا سننيا كونيا مفاده عدم التزام المجتمع بتعاليم نظام القرآن تجاه الأسرة.. فالظلم وارد قطعا.. والسلام الأسري سينهار.. ضياع الأطفال وتعنيفهم حتما سيكون في الحال الأعم.

ولا شك أن القارئ الواعي يدرك جيدا المآلات الخطيرة المترتبة على الدمار الأسري وانعكاساتها على السلم المجتمعي.

إذن، موعظة القرآن لها دلالتها السننية ذات الصلة المباشرة بالذنب المجتمعي.

الحالة الحِمارية:

الهدف الأهم والأقوى الذي يرمي إليه المقصد القرآني الوعظي هو خروج مفكري الأمة من "الحالة الحمارية" التي حمل القرآن حملة قاسية إلى حد الإسقاط المعنوي للكرامة الإنسانية عن المتصفين بها.. (كمثل الحمار يحمل أسفارا).

كيف لا يسقط عنهم المعنى الإنساني؟ إنهم لا يعقلون.. (أولئك كالأنعام بل هم أضل).

الخلاصة:

الوعظ في المقصد القرآني موجه بالدرجة الأولى إلى:
- حملة الفقه.
- رجال الفكر.
- قادة الرأي وموجهيه وصُنّاعه.

باختصار، القرآن يريد من الأمة إنتاج:

- حملة قضايا.. كي يخرج مفكرو الأمة عن الحالة الحمارية.. بل ويبتعدوا تماما عن هذا التوصيف.
- القرآن يمقت العقل المستريح تماما.. (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل).

أعتذر للقارئ.. فالمقام المفاهيمي يحتاج بسطا أكثر.. غير أني أقول إن هذا المدخل قد أخذ نسبة 70% من هذه الحلقة.

وعليه، سيتم تقسيم هذه الحلقة إلى ثلاثة محاور: الأول، مواقف قيمية عند الحيوان. والثاني، مواقف قيمية عند الإنسان سلبا وإيجابا. والثالث، العقل الحامل للقضايا والعقل المستريح الكسيح.

المحورالأول:

- سجل القرآن وخلده من مواقف قيمية تحمل دلالات ذات صلة بالسلطة الأخلاقية المسؤولة من جهة أولى، ومن جهة ثانية، إشادة وخلود بحملة القضايا المتصلة بالشأن العام-
جلب مصلحة أو دفع مفسدة.

وصدق الله القائل: (إن الله لا يستحيِي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها).

نعم، سنستعرض بإيجاز شديد بعض المواقف القيمية على النحو التالي:

1- الغراب وقيمة "كرامة الإنسان"

(فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه).

الإنسان المكرم نسي كرامته بمجرد عدوانه ضد الكرامة الإنسانية.. انتصارا لشهوته اللحظية.. فما هي العبرة القيمية المستفادة؟

أ- دخل الغراب في السجل القيمي الخالد الأبدي كونه حافظ على قيمة (الكرامة الإنسانية).

ب- تخليد اسم منتهك القيم
إلى درجة هابطة منحطّة أولا.. وتحميله مثل أوزار كل منتهكي الكرامة الإنسانية عبر التاريخ.

(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).

2- قيمةالعلم:

العلم هو سنة من سنن العروج النفسي والعقلي والحضاري.

الأمة التي لا تأخذ الكتاب - العلم بقوة فقد دخلت الحالة الحمارية.. وضرب القرآن عنها صفحا.. وأشاد بالكلب المتعلم مبيحا صيده.. (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه).

هل اقتربنا من معنى الوعظ في القرآن ومن المقصود به؟

إن القرآن يريد علما وفقها وفكرا في أوعية نفيسة كي تحمل القضايا النافعة.. بخلاف إذا كانت أوعية العلم رديئة فإنه يتلوث.. وتموت قضايا الأمة مهما ادعت الأمة أن خزانتها مليئة بالكتب.. ومهما فاخرت الجامعات والمعاهد بأعداد الخريجين الذين لم يقدموا للأمة سوى طحن الماء.

3- النحل.. (فيه شفاء للناس):

النحلة حشرة حقيرة الشكل شأن كثير من الحشرات.. لكن القرآن خلدها في سورة خاصة باسمها (سورة النحل).

هذه السورة احتوت على مسرد عظيم لكثير من نعم الله.. بل تضمنت أعظم قيمة عِمرانية إنسانية حضارية.. هي محور الرسالات السماوية وهدفها.. إنها قيمة العدل (إن الله يأمر بالعدل).

قيمة العدل على أهميتها هي قضية تحتاج من يحملها.. تحتاج أناس أصحاب مسؤولية مثل النحل التي تقدم نفعا للناس.

إذن، لا نستغرب حكمة الشارع الحكيم في اختيار اسم سورة النحل، لأنه يحمل قضية هي خدمة الإنسان..(شفاء للناس).

4- النملة تحصن أمتها:

"سورة النمل"، هكذا اختارت حكمة الله هذا الاسم.. وقد كان المتوقع تسميتها سورة الهدهد.. أو سورة سليمان.. أعظم ملوك الأرض.. لكن الحكمة الإلهية تعطينا درسا قيميا عن مكانة من يحمل "قضايا الأمة" والمتمثل هنا في الحفاظ على خلق بشرا كانوا أو غير بشر.. (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم)... إلخ.. وفي نهاية الآية تعتذر.. (وهم لا يشعرون).

إنها المسؤولية الأخلاقية.. إنها سلطة الأخلاق.. إنها معادن النفوس السليمة تحمل قضايا الأمة.. لا تريد جزاء ولا شُكورا.

المحور الثاني:

نموذج الإنسان الحامل للقيم:

1- مؤمن آل فرعون:

مؤمن آل فرعون هو من الأسرة الحاكمة الفرعونية.. وفي وسط مجلس يعج بجلاوزة الظلم الذين قرروا قتل الداعية الأعزل
موسى عليه السلام فصرخ فيهم (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)... إلخ.. (وإن يك كاذبا فعليه كذبه).. هذا الرجل جسّد قيما عدة أهمها:

الحرية.. الحوار .. التعايش.. وقبل ذلك وبعده جسّد الشجاعة في أقوى صورها.. كيف لا.. وهو يخطب في مجلس ذابحي الرضع؟
لا غرابة.. إنها السلطة الأخلاقية المتجذرة في أعماق العقيدة السليمة.
- جسد الثقة بالخالق الذي بيده النواصي.. رغم أن رأس الطغيان وصل به الأمر إلى قتل زوجته.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن سورة غافر إنها سورة غافر وسورة المؤمن.. إذن هي تسمية توقيفية.. سماويا.

2- لقمان.. والتربية المجسدة للقيم:

لقمان ليس نبيا باتفاق العلماء، ولكن القرآن أفرد له سورةً خاصة وسماها "سورة لقمان".. والسبب يعود إلى القيم التربوية التي قدمها هذا الحكيم لولده.. لقد استعرض القرآن تلك القيم وحوّلها قرآنا يتلى متعبدا به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

القيم هي القيم وإن خرجت من لسان غير معصوم.

إذن، القرآن يعلمنا كيف نحتفي بالقيم وكيف نُعلي من شأنها وشأن حاملها.. وكيف نخلده؟ قيمة العلم خلدت الكلب.. فمن باب أولى تخليد حامل ذلك المسرد القيمي الزاخر بسنن الاجتماع.. البانية للشخصية المتوازنة الحافظة للنسيج المجتمعي.

3- اتباع الهوى:

(غياب السلطة الأخلاقية)

(واتلوا عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يهث أو تتركه يلهث)... إلخ.

يا الله.. آتاه الله آياته.. فانسلخ كما تنسلخ الأفعى من جلدها.. متنكرا لتلك الكرامة السامقة.. إذن.. انسلخت القيمة عقديا.. بسبب الهوى التافه..
فانسلخت سلوكيا.. لأن معدنه الفطري ملوث.. دجال ..اتخذ من الآيات قناعا جاعلا منها جسر عبور إلى أهوائه.. فتلوثت قيمة العلم على جلالتها.. (آتيناه آياتنا).

والعلم إن لم تكتنفه شمائل
تعليه كان مطيةُ الإخفاقِ

أف له من حرص على المكانة ولو كان سيقيمها على أنقاض الآخرين.. أنقاض من كانوا معه في درب واحد.. هذا اللهاث أسقطه إلى دركات الكلب اللاهث.. وإخلاء مكانته التي كانت ليحتلها الكلب المتمسك بقيمه..
إنها سنة الاستبدال السماوي.

المحور الثالث: بين حامل القضايا والعقل المستريح الكسيح

(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يُقْصِرون).

تلك هي أخلاقيات حملة القضايا.. إنها أخلاقيات ضاربة الجذور في مسارب الوجدان والعقل والشعور.. يتحكم فيها "مِقْود التقوى"، فإذا حصل لديهم سهو أو غفلة بحكم الطبيعة البشرية تذكروا.. فتعود إليهم البصيرة الثاقبة.. وهيهات أن يغيب عن مخيلتهم.. لسنا بحاجة لتقديم البراهين فالواقع من حولنا ومن التاريخ مليء بالأمثلة.

وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

كما أننا لسنا بحاجة للحديث حول الدخلاء على الثقافة والذين جعلوا الثقافة قناعا أيديولوجيا ليخفوا خلفها أخلاقا إبليسية.. (أنا خير منه).. وبصورة أخرى (ونحن أحق بالملك منه).

فهم مثقفون إن كانت الرياح إيجابية في اتجاههم فقط.. والعكس.. لا.. فنحن ضد الأهداف بل وضد كل القضايا العادلة وطنا وقيما ديمقراطية... إلخ.

نماذج سريعة:

أرسطو، حامل قضية "البرهان الرياضي".. كان العالم غارقا في سبات عميق والعقل مكبل غارق في مستنقع الخرافة.

ولا شك أن فلاسفة سبقوا أرسطو في بعض الأفكار ذات الصلة بالبرهان الرياضي.. لكن أرسطو بلورها في نظرية مدعومة تحت مفهوم "البرهان الرياضي".

وخلاصتها "الانطلاق من النتيجة إلى السبب"، أي أن الكون كله قائم على علل وأسباب. هذه النظرية انضوى تحتها البحث العقلي الفلسفي في العصر الروماني الوثني.. ليصل إلى أن للكون خالقا وعقلا مدبرا.

باختصار، خلاصة النظرية هي الأخذ بالأسباب.. هذا هو السر وراء القفزة الحضارية الجبارة في الغرب والشرق عموما.. إنه التعاطي مع الأسباب أدى إلى امتلاك زمام التسخير السنني الكوني في النفس والاجتماع والكون.

من جهة أخرى، أرسطو له كلام في الديمقراطية كسنة من السنن الحاكمة
للاجتماع. ورغم حداثة تجربة أرسطو، فالقارئ يجد بعض المفاهيم لا زالت صالحة حتى اللحظة.

من هذه المفاهيم رفضه للشعبوية، أي الثورة الشعبية التي تنطلق بلا وعي فإنها تدمر أكثر مما تصلح.. ولم ينس السبب وراء الشعبوية المتمثل في طغيان واستبداد الحكام الذي يؤدي إلى اندفاع الشعب بلا بصيرة.

2- جان جاك روسو ومونتسكيو: هذان الفيلسوفان قدما نظرية التعاقد بين المجتمع والدولة.. وكيفية بناء الشرعية السياسية.. ومع أن نظرية العقد لم تكن ناضجة بحكم واقعها المعيش.. لكنها قلبت الموازين في إرساء الشرعية السياسية في أوروبا
وأمريكا.. واستطاعت أوروبا التخلص من الحروب السياسية.

وتم إرساء دعائم السلم المجتمعي فجاء النهوض الحضاري والرفاه وحميت الحقوق وكرامة الإنسان.

3- التجار السبعة:

خاضت بريطانيا حروبا طال أمدها وتحولت إلى النظام الجمهوري عام 1650 حتى عام 1952، وعادت إلى الملكية واستمر الصراع بين الملك والشعب قرابة 133 عاما والملوك مستمرون في طغيانهم رغم أن الملك قتل شنقا.

في عام 1773 تقريبا تحرك سبعة من تجار بريطانيا إلى هولندا، هؤلاء السبعة يصدق عليهم صفة (أولو بقية) اتجهوا إلى بنت الملك (ولية عهده).. وكانت متزوجة بولي عهد هولندا فاستدعوها لإنقاذ الإمبراطوية فتحركت مع زوجها بأسطول وجيش واستولت على العرش.. وأعلنت مملكة دستورية وانتهى الاقتتال واستقر الحال ونهضت بريطانيا كدولة عظمى.

4- الفقيه القاضي الشوكاني:

أغلب الحكام الهادويين تاريخهم أسود، حيث أغرقوا اليمن في بحر من الدماء.. حبا في السيطرة والتحكم والمال والجاه. وحسب حوليات مجهول.. وكذا د. حسين العمري في أطروحته "100 عام من تاريخ اليمن".. أنه كان يظهر أكثر من ملك في وقت واحد.. في إطار الروضة.. وشعوب.. وعصر.. وسبطان (زبطان).. ووادي ظهر.. وتتم البيعة لهم ثم يقتتلوا.

وفي أواخر حكم الملك المنصور الذي بلغ من الكبر عتيا، كان قائد جيشه يمنع رواتب الجيش فيتجه الجيش إلى قطع الطرق ونهب المتاجر وحصار المدينة.

كان اليهود يطبعون العملة.. فكانوا يغشون الذهب بالنحاس فيهبط سعر العملة.. وتحصل اضطرابات أسعار.

تزايدت الاضطرابات وكاد الطامحون للحكم يقتحمون المدينة بالقبائل.. فارتفعت وتيرة الخوف وأغلقت المتاجر لأيام.. هنا.. خرج القاضي الشوكاني مصطحبا المهدي عباس ابن الملك ودخل على الملك العجوز وطمأنه أن الملك هو.. وخطبة الجمعة باسمه.. والعملة.. وهو المرجع..
فقط يتيح للولد إدارة الدولة تحت رعايته.. فوافق العجوز بعد عناء.. وتم إقالة قائد الجيش وتم تسليم الرواتب... إلخ.. فكان الاستقرار.

الخلاصة:

النماذج السابقة كان تأثيرها عظيم.. تنظيرا.. وإجراء.. فكان الإصلاح الوقائي المسؤول يقوم به شخص أو عدة أشخاص في خطوات مدروسة عاقلة.. فيحصل التغيير دون أن يسقط الشعب في حمام الدماء والفوضى... إلخ.. والأمثلة كثيرة متعددة الجوانب.

ثانيا- العصر الحديث:

سنسلط الضوء في المجال الفكري الأكاديمي، التعليم الجامعي تحديدا، والذي يمثل القلب النابض للنهوض الحضاري.

مخرجات البحث العلمي في مجال الفكر والفقه الدستوري.. ثقافتنا فيها فقيرة جدا قديما وحديثا.. ناهيك عن بقية المجالات الاقتصادية وعلم الاجتماع والتربية... إلخ.

تتبعت الأعمال البحثية، مجال الماجستير والدكتوراه، فوجدت حملة القضايا خمسة من الأ كاديميين فقط.. وهم:

1- راشد الغنوشي.. أطروحة دكتوراه من جامعة أكسفورد بعنوان "الحريات العامة في الدولة الإسلامية".

2- د. محمد سليم العوا، قضايا في الفقه الدستوري.

3- د. صالح سميع.. أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي.

4- د. طارق البشري.. بناء الدساتير.. إن لم تخني الذاكرة حول عنوان عمله.

5- الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية.. د. محمد بن مختار الشنقيطي.. علما بأنه ليس أطروحة أكاديمية.

ثالثا- العقل المستريح الكسيح

ركام كبير فيه مئات رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه في القانون العام والخاص.. ليس هناك أي شيء جديد.. وإنما قش وغث.. باستثناء القليل جدا.

رابعا- حملة القضايا دعويا:

هناك شخصيات اختارت حقولا فكرية محددة واشتغلت داخل الحقل المحدد وقدمت الشيء المفيد والرائع.. القرضاوي نموذجا.. ولكن تناوله جاء من الزاوية الفقهية.. والقليل فكريا.

- د. بكار، هذا أستطيع القول إنه مجدد في المجال الفكري والثقافي فقدم عطاء رائعا.

- الشيخان الغزالي والترابي.. رحمهما الله.. وغيرهما.. عملوا على تحريك العقول إلى حد كبير.. ولكن لا زلنا بحاجة للمزيد.. بل للكثير.. وبالذات أكاديميا.. لا دعويا.

- الفقيه المقاصدي الأصولي القانوني العملاق د. فتحي الدريني.. والذي قدم أطروحة دكتوراه في الأزهر عام 1970 بعنوان "الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده".

الشهادة لله أنها على صغر حجمها.. تعتبر أقوى دراسة.. بحث علمي تناول أخطر القضايا المعاصرة الرأسمالية والاشتراكية، وحدود دور الدولة في حماية الحق.. وحاكم الجميع فلسفيا إلى فلسفة التشريع الإسلامي محاكمة إبداعية رصينة وكأنه ينحت في الصخر الأصم.

كما أن كل كتاباته فائقة القوة والثراء.. متصلة بالواقع الدستوري ونظام الحكم والقانون وأصول الفقه وأصول الحكم.. دراسة مقارنة مع القانون.. والحقيقة أنه ينطبق عليه المثل العربي الشائع أنه الغراب الأعصم.. والقليل القليل من يعرفه.. والأقل جدا يقدرون على فهمه.

- د. محمد عبد الله دراز.. أطروحة دكتوراه من السربون بعنوان "دستور الأخلاق في القرآن".. وهي واحدة من الأعمال الجبارة أكاديميا.. مقارنة فلسفية للأخلاق بين الفكر الوضعي والقرآن العظيم.

- د. طه عبد الرحمن.. فيلسوف إسلامي مغربي قدم للمكتبة الفلسفية قرابة 16 كتابا.. لكنه خاطب نفسه فقط.. عدا كتابين فيهما بعض الفصول يمكن فهمها بصعوبة بالغة.

خامسا- العقل المستريح:

لن أتحدث عن اطلاعي خلال السنوات ولا الشهور لماضية.. لكني أقول إن ثلاثة أسابيع قضيتها وحتى اللحظة.. في تتبع الإنتاج الأكاديمي في صفوف الدعاة والذين انحازوا إلى الفكر المقاصدي تحديدا.. مشغوفين جدا بالفقه المقاصدي.

قرأت بحمد الله 16 أطروحة دكتوراه بمتوسط تقريبي 30 ساعة لكل أطروحة.. فكانت النتيجة الصادمة.. هي الحضور الطاغي للعقل المستريح.. بل العقل المستقيل والكسيح تماما.

16- دكتوراه في الفكر المقاصدي كلها اجترار للتراث فقط.. تمنيت أن أرى مبحثا تطبيقيا حول مسألة معاصرة واحدة.

للأسف.. الجميع محسوب دعويا..
وأنه قد اختار هذا المجال الفقهي الحيوي حقا.. ولكن هل هو العقل المستقيل.. أم المستريح.. أم المذعور.. أم العاجز؟

ثلاث أطروحات كادت تجهز على ما تبقى من آمال، الأولى بعنوان "اعتبار مصالح الناس"، تضمنت أمثلة مكررة من التراث ولم تقدم قضية تطبيقية معاصرة.

الثانية، بعنوان "فقه الواقع"، أيضا تراثية حملت أمثلة بدهية جدا.

الثالثة، بعنوان "العرف وأثره"، كان الشوق يحدوني بقوة حتى آخر صفحة.. فوجدت أن ما كتبه صاحب فقه الواقع قد كتبه صاحب أطروحة العرف.

وليس أخيرا.. وجدت بحثا أنكر صاحبه مفهوم فقه الواقع تماما.

وثالثة الأثافي، خروجا من الاستعراض والغرور قررت قراءة مراجع كل الرسائل بعناية.. رغم علمي بأن المراجع تراثية.. لكن هناك باحثين يذكرون مراجع في نهاية البحث وإن لم يذكروها في متن البحث.. تتبعت عامدا متقصيا.. ربما أجد جديدا..
للأسف وجدت مرجعا.. أطروحة واحدة جديدة في مجال الفكر السياسي بعنوان "السلطة والقيود الواردة عليها في الإسلام".. لكنها لا زالت نسخة محتكرة إلكترونيا في الجامعة الأردنية.. والعجيب أن الباحث استشهد منها بمسألة عُرفية من الموروث.

فماذا عن النظرية السياسية في الإسلام؟ الجواب: صفر. ماذا عن النظرية الاقتصادية؟ صفر. ماذا عن النظرية التربوية في الإسلام؟ صفر.

كلمات دالّة

#اليمن