الجمعة 19-04-2024 19:24:22 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 11 فبراير 2011.. مؤشرات النجاح وعوامل الانتصار

السبت 15 فبراير-شباط 2020 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد السلام الغضباني

 

رغم ما يبدو أنه تعثر مرحلي تواجهه ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، لكن هذا التعثر يقابله أيضا ما يمكن وصفه بالنجاح المرحلي الذي سيتوالى حتى تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها كاملة. أما ما يحدث في هذا السياق، فهو أن بعض الشخصيات الانهزامية هالها -وربما أعجبها- التعثر المرحلي للثورة، فراحت تقدح فيها، مما أغرى أعداء الثورة لمواصلة الطعن فيها، غير مدركين أن الشخصيات الانهزامية التي اعتادت على تبخيس الذات لا يمكنها أن تصنع التاريخ، حتى وإن حاولت أن تبدو في بعض الأحيان كطرف فاعل في الأحداث، لكن دورها لا يعدو كونه مجرد "كومبارس"، لا يقدم ولا يؤخر، خاصة عندما يكون ذلك في مراحل التحولات الكبرى في تاريخ الدول والشعوب.

ويمكن وصف الجدل الراهن حول ثورة 11 فبراير 2011 بأنه ظاهرة صحية تأتي في سياق الفرز وتنقية الثورة من الشوائب التي علقت بها، ومساعدة الثائرين على معرفة خصوم الثورة والحذر منهم مستقبلا، خاصة أن هناك العديد من الشخصيات الانتهازية التي سبق لها أن تسلقت ظهر الثورة بغية تحقيق مكاسب شخصية أو بهدف نخر الثورة من داخلها، ويؤكد ذلك أن بعض الشخصيات السياسية والحزبية والاعلامية التي كانت منضوية تحت العديد من اللافتات وأعلنت انضمامها للثورة سرعان ما تراجعت عن ذلك بعد أن بدا لها أن أوضاع ما بعد الثورة لا تمضي بحسب تصوراتها، وأن مؤشرات المتغيرات المقبلة لا يمكن الالتفاف عليها، وأن ظاهرة العلاقات الزبائنية التي انفرد بها أولئك في طريقها إلى الزوال، ولا يمكن لها الاستمرار في مرحلة ما بعد الثورة.

- نجاح مرحلي

لم يسبق أن اندلعت ثورة عبر التاريخ في العالم كله وحققت أهدافها بسرعة خاطفة، ذلك لأن الثورات لا تندلع إلا ضد أنظمة حكم فاسدة ومستبدة وديكتاتورية محصنة بقوة عسكرية جبارة ومنظومة فساد معقدة وشبكة علاقات زبائنية من الصعب تفكيكها والقضاء عليها بسرعة.

ولهذا فإن أي نظام حاكم بهذه الصفات لا يمكن أن يستسلم بسهولة للثوار ويسلم لهم كل شيء دفعة واحدة بعد أول صيحة أو أول طلقة، فهو لا بد أن يستنفر كل قواته وكل علاقاته الزبائنية المستفيدة من فساده للقضاء على الثورة والثوار، ولا يهمه في سبيل ذلك إشعال حرب أهلية أو اللجوء لخيار شمشون (عليَّ وعلى أعدائي) وهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، لذلك من الطبيعي أن أي ثورة تندلع أن تواجهها صعوبات جمة، وتتعثر في مراحلها الأولى، ويعقب ذلك ثورة مضادة عنيفة، قد تنجح في تأخير التغيير، لكنها لن تنجح في تحقيق النصر النهائي والقضاء على الثورة الشعبية.

وفي حال ثورة 11 فبراير 2011، فالمعادلة هنا كانت مختلة، فالثورة كانت سلمية ضد نظام حاكم مسنود بقوات عسكرية هائلة شكلها وفقا لمعايير بدائية تنتمي لزمن ما قبل الدولة (عائلية ومناطقية وطائفية وقبلية)، وتحيط به علاقات زبائنية رسخها مع مشايخ القبائل الكبيرة والمؤثرة، يقابل ذلك أن الثورة كانت مسنودة بقوى مدنية غير مسلحة (أحزاب ومنظمات مجتمع مدني)، وهنا يتضح اختلال المعادلة. فرغم فشل النظام الحاكم في عسكرة الثورة في بدايتها، حيث كانت سلميتها من أهم عوامل قوتها، لكنه ظل يعمل لتحقيق هدفه، ولجأ للتحالف مع المليشيات الحوثية، وانقلب على السلطة الشرعية وعلى الجمهورية والديمقراطية وعلى مبادئ وأهداف ثورة 26 سبتمبر 1962، وقدم الجيش والسلاح ونفوذه الذي بناه خلال 33 عاما ومختلف إمكانيات الدولة على طبق من ذهب للمليشيات الحوثية، وحدث أسوأ انقلاب في تاريخ الانقلابات العسكرية.

ورغم ضخامة التحديات الجسيمة التي واجهتها ثورة 11 فبراير، لكنها تمكنت من الصمود وإرباك المخطط الانقلابي، وكان شباب الثورة وأنصارها من أوائل فئات المجتمع التي تصدت لانقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية، ولو أن هذا الانقلاب حدث في ظل ظروف طبيعية ولم يتزامن مع استمرار الثورة لما اندلعت انتفاضة مسلحة ضده منذ البداية، أي أن الثورة السلمية تحولت فجأة إلى ثورة مسلحة أربكت الانقلابيين منذ اللحظة الأولى، وتشكلت مقاومة شعبية مسلحة من رحم ثورة 11 فبراير، تحول جزء كبير منها إلى جيش وطني يكبد الحوثيين الخسائر الفادحة في مختلف الجبهات، بل وأربك المشروع الإيراني التخريبي الذي يستهدف الدول العربية جمعاء وليس اليمن فقط.

- عوامل الانتصار

رغم موجة التشكيك التي يبثها الانهزاميون بخصوص إمكانية نجاح ثورة 11 فبراير، إلا أن المؤكد هو أن للثورة عوامل نجاح وانتصار مستدامة، لا يمكن أن تؤثر عليها عوامل تعثر آنية ومرحلية تتمثل في انقلاب انتقامي سلالي وعنصري متجرد من كل فضيلة، ويستحيل أن يتعايش معه المجتمع اليمني برمته وكذا دول الجوار، كونه لا يشكل خطرا على الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والحقوق السياسية فقط، وإنما يشكل خطرا أيضا على الأخلاق والقيم والتعايش، وانتهاكاته وجرائمه تطال الرجال والنساء والأطفال والشيوخ على حد سواء.

 

وفيما يلي أهم العوامل المستدامة لضمان نجاح وانتصار ثورة 11 فبراير 2011:

- أنها ثورة شعب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وشاركت فيها فئات مختلفة من الشعب، وبالتالي فهي ثورة متجددة بتجدد الأجيال، وإذا تخاذلت عنها فئة فلن تتخلى عنها بقية الفئات.

- أنها تمثل ذروة أحلام الغالبية العظمى من الشعب في إقامة دولة مواطنة متساوية ونظام جمهوري ديمقراطي تعددي ودولة عصرية تضمن حقوق الجميع في المشاركة السياسية والتنافس الشريف لخدمة البلاد.

- أنها تحمل أفكارا ومبادئ عصرية تمثل خلاصة الحضارة المعاصرة وتدغدغ عواطف الجماهير وتلهب حماسهم، مثل العدالة والحقوق والحريات والمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة ورفض الحكم العائلي السلالي العنصري المستبد.

- أنها تأتي بعد تراكم تجارب كثيرة من الحكم الفاشل والاستبدادي والمعاناة والقهر، ولذا يستحيل أن يقبل الشعب بعودة تجارب حكم فاسدة وفاشلة ومستبدة، تعمل على تكريس العنصرية والمناطقية والطائفية وتحتكر السلطة والثروة في جماعة أو سلالة أو عائلة.

- وأخيرا، أنها ثورة أفكار وليست ثورة أشخاص، ما يعني أنها ثورة قائمة ومتجددة بالأفكار التي تحملها، وستتطور كلما تطورت تلك الأفكار، فالأفكار باقية وقابلة للتطوير، بينما الأشخاص زائلون ومصيرهم الموت والهلاك، حتى وإن استندوا إلى سلالات عنصرية أو دعم أجنبي وفقا لدواعٍ طائفية.

كلمات دالّة

#اليمن