الخميس 28-03-2024 19:01:30 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الوحدة اليمنية والانفصال.. بين حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا (1-2)

الخميس 17 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

  

منذ ظهور الحراك الجنوبي السلمي، في مارس 2007، والذي بدأ بمطالب حقوقية، ثم حرفه البعض إلى مطالب سياسية تتمثل في المطالبة بانفصال جنوب اليمن، بدأ بعض المطالبين بالانفصال ينكرون "يمنية" جنوب اليمن، ويطلقون عليه "الجنوب العربي"، متخذين من ذلك ذريعة للمطالبة بالانفصال، رغم أن تسمية "الجنوب العربي" أطلقها الاحتلال البريطاني على المحافظات الجنوبية والشرقية التي كان يسيطر عليها، بهدف سلخ جنوب اليمن عن شماله، عندما اشتدت مطالبة الإمام في الشمال بأحقيته في حكم الجنوب، وتنامي الحركة الوطنية في عدن المناهضة للاحتلال البريطاني.

كما أن هناك من يدعي بأن اليمن لم يشهد وحدة حقيقية طوال تاريخه، وأن الانفصال كان هو الأساس والوحدة هي الاستثناء، والبعض يدعي بأن الفوارق الاجتماعية والثقافية بين شمال اليمن وجنوبه تؤكد أنهما شعبين مختلفين، وكل ذلك يأتي في سياق التبرير لدعوات الانفصال، وللأسف فقد أصبح يردد ذلك حتى بعض الكتاب والسياسيين من بعض دول الجوار، رغم منافاة كل ذلك للواقع ولتاريخ اليمن الضارب في القدم، ولا يمكن لافتراءات "الكيد السياسي" أن تحرف حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا.

- اليمنيون أبناء قحطان بن هود عليه السلام

اليمن شعب واحد، يسكنه أبناء أب واحد منذ أقدم العصور، فكما هو معروف فسكان اليمن هم من أبناء قحطان بن النبي هود (عليه السلام) بن عامر بن شامخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح (عليه السلام)، واتفق كثير من علماء السير على أن أول نبي مرسل بعثه الله تعالى بعد نوح (عليه السلام) بشيرا ونذيرا هو هود (عليه السلام)، الذي يوصف بأنه أبو العرب العاربة، وهم اليمنيون.

وإذا عدنا إلى التاريخ اليمني، نجد أن المؤرخين العرب عندما يذكرون اليمن فإنهم يقصدون به القسم الجنوبي من الجزيرة العربية الممتد من الخليج العربي شرقا وحتى البحر الأحمر غربا، ومن أواسط الجزيرة العربية شمالا حتى البحر العربي والمحيط الهندي جنوبا، وكانوا يذكرون "عمان" أنها مخلاف من مخاليف اليمن.

وقد أطلق المؤرخون اليونانيون والرومانيون القدماء على اليمن صفة "أرابيا فيلكس"، أي بلاد العرب السعيدة. وكان اليمن أو بلاد العرب السعيدة تشمل -وفقا لمؤلفاتهم- اليمن شمالا وجنوبا وأجزاء أخرى من الجزيرة العربية شرقا وشمالا.

والمعروف تاريخيا لدى اليمنيين وغيرهم أن عرب اليمن ينتسبون إلى أيمن بن يعرب بن قحطان، وهو أول ملوك الدولة القحطانية التي أنشأها أولاد سام بن نوح (عليه السلام)، ويعرفون بالعرب العاربة، وهم من أبناء قحطان وأسلاف القحطانيين المنافسين للعرب العدنانيين المعروفين بالعرب المستعربة، الذين اقتبسوا اللغة العربية من العرب العاربة الذين كانوا في اليمن، وعاشوا أول الأمر قبائل متفرقة مزقتهم العصبية والجبال، فتقسمت اليمن بينهم، وأصبح كل فريق منهم يقيم في مخلاف، أي منطقة. وظهر في البلاد عدة مخاليف، يبلغ عددها نحو 84 مخلافا، ويعرف رئيس المخلاف باسم "قيل" أو "أمير".

- حضارة يمنية واحدة

وبالإضافة إلى انتساب اليمنيين إلى أب واحد، وهو قحطان بن هود (عليه السلام)، فقد ظهرت في اليمن حضارات متشابهة في أدق تفاصيلها، وكان ظهور هذه الحضارات نتيجة لتوحد الدويلات اليمنية القديمة في دولة مركزية واحدة، لتظهر بعد ذلك أطراف منافسة لها وتقيم دولة جديدة، وهكذا.

ويعود تاريخ ظهور أول حضارة يمنية راقية إلى القرن العاشر قبل الميلاد على أقل تقدير، وهي حضارة دولة "سبأ" المشهورة، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب، وتعد حضارة "سبأ" أهم وأكثر مراحل الحضارة اليمنية القديمة ازدهارا وذكرا في التاريخ الإنساني، وارتبط ذكرها بـ"سد مأرب" الشهير، وكانت أبرز حضارة قديمة ذكرت في القرآن الكريم، وسميت إحدى سور القرآن باسمها، وهي سورة سبأ.

واعتبارا من الألف الثاني قبل الميلاد، بدأت الدول اليمنية في الظهور كنتيجة لتوحد الدويلات اليمنية القديمة مثل "نشق" و"يثل" و"نجران" وغيرها، لتظهر دول معين، سبأ، حمير، حضرموت، وغيرها.

وقد ظل المد الحضاري اليمني متواصلا بفضل وجود هذه الدول التي طورت الزراعة والتجارة والحرف اليدوية، ومن ثم وفرت الوحدة الاقتصادية في اليمن القديم، وهي الصرح الأساسي الذي كانت تنهض على أساسه الوحدة السياسية باتجاه تطور المجتمع القديم.

لقد كانت الوحدة السياسية والاقتصادية هي السائدة في اليمن عندما قامت الدول والحضارات القديمة، وهذا لا ينفي وجود انتكاسات ومطامع شخصية تدفع باتجاه الرغبة في الانفصال، مما يتسبب في اندلاع الحروب من حين لآخر، لكن الواضح أن الوحدة كانت هي الأساس، والانفصال هو الاستثناء، وليس كما يروج له البعض بأن اليمن لم يشهد وحدة حقيقية طوال تاريخه، أو إنكار "يمنية" جنوب البلاد.

كلمات دالّة

#اليمن