الثلاثاء 30-04-2024 08:53:36 ص : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

(قراءة في كتاب) تجربة ست ثورات.. للكاتب الفلسطيني منير شفيق (الحلقة 1-2)

الأربعاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت-خاص- عبد العزيز العسالي

   

يقع الكتاب في 267 صفحة من القطع المتوسط، وهو مثقل جدا بالمعلومات وموجز، ومفرداته مكثفة، الأمر الذي يعني أن تقديم عرض مختصر للكتاب يلاقي صعوبة، والسبب أن الكاتب رتب الكتاب على طريقة المقدمات والنتائج.

إذن، صعوبة العرض بالغة، وهذا يقتضي -ضرورةً- حضور شخصية كاتب العرض.

- مقدمة الكتاب

تقع مقدمة الكتاب في31 صفحة تحت عنوان "المشترك بين الثورات"، وتمحورت حول محور رئيسي وفرعين، فالرئيسي هو أن هناك قضايا مشتركة بين الثورات تتمثل في طرد احتلال، أو ثورة على مستبد، أو مطالبة بتحسين أوضاع البلاد تعليما أو اقتصادا... إلخ.

الفرع الأول هو أنه لكل ثورة خصوصيات بالغة التعقيد، وهذه الخصوصيات نابعة من ظروف معقدة ومتشابكة، ثقافيا وجغرافيا وبيئيا وإقليميا ودوليا، الأمر الذي يعني أن القياس المطلق والتقليد في الثورات قد يكون السبب الأبرز في فشل الثورة.

الفرع الثاني، هو الفرع الأهم في نظري، لأن الكاتب ركز عليه وبنظرة عميقة وموجزة جدًا، وهو أن ثورات شعوب الربيع العربي قد أفلتت من القبضة الغربية الأوروأمريكية، والهيمنة الصهيونية.

ومن هنا كان التدخل الغربي المباشر وغير المباشر في إعاقة الربيع العربي، علما بأن مؤلف الكتاب يرفض توصيف الثورات العربية بالربيع العربي، فالربيع ورود وأزهار، وهذا مجافٍ لمعنى الثورة الذي يعني كفاحا مسلحا في وجه الثورات المضادة.

باختصار، احتفى الكاتب بفكرة انفلات الثورات من القبضة الغربية والهيمنة الصهيونية، ساخرا وبإشارات ذكية من القائلين إن الثورات العربية الحالية هي بإيعاز أمريكي.

أنهى الكاتب مقدمته بالتأكيد على خصوصية الثورات، مشيرا أنه سيتحدث عن تجربة ست ثورات، هي: ثورة فيتنام، ثورة كمبوديا، ثورة اليونان، ثورة الفلبين، ثورة الملايو، ماليزيا خصوصا، وثورة جزيرة قبرص.

قلنا آنفا إن الكاتب لم يكتب تاريخ أحداث وإنما سجل تحليلا موجزا وضع فيه مقدمات وبنى عليها نتائج نجاح أو فشل الثورات.

- ثورة فيتنام.. خارطة الثورة والثورة المضادة

ثورة فيتنام تحتاج إلى مجلدات عدة، لأنها:

- امتدت قرابة أربعة عقود
1934 - 1974م.

- المشكل الداخلي اقتصاديا: الإقطاع الزراعي، وهذه مشكلة ليست بالهينة، ذلك أن الخطاب الاشتراكي السوفيتي الصيني كان حاضرا بقوة في مجتمع فيتنام يتولاه حزب شيوعي يستهوي أفئدة المجتمع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

- جغرافيا يتمثل في فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية. وهذا البُعد مشتبك مع بقية الأبعاد بقوة، فالوحدة والانفصال حاضران، وهذا أضفى على الخارطة تعقيدا مركبا في كل الاتجاهات.

- البعد الخارجي والذي برز في تدخل سافر وبعنف إجرامي أمريكي فرنسي، وأيضا اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا والفلبين، كل هذه الدول دفعت آلافا من جيوشها إلى فيتنام متحالفة مع أمريكا، ولكنها فشلت كلها بعد ثلاث سنوات.

إذن، لا شك أن القارئ بمجرد معرفة أطراف الثورة المضادة وتعقيداتها يمكنه استخلاص قوة المعوقات وتعقيداتها داخليا ودوليا.

- سمات الثورة الفيتنامية

تميزت ثورة الشعب الفيتنامي بقيادة راشدة محنكة مرنة بقيادة الثائر "هوشي".. لا يعني هذا أن قيادة الثورة لم تخطئ قط، بل وقعت في أخطاء لكن أغلب قراراتها كانت على مستوى عالٍ من النضج،
حيث رفعت شعار "تحرير، وحدة"، ووضعت خطةً مرنة جدا روعي فيها مرحلية تنمية توازن لقوى وقدرات الثورة الشعبية. ورغم شعار التحرير من الاحتلال، إلا أن قيادة الثورة دخلت في حوار مع الاحتلال كسبا للوقت بهدف المزيد من الالتحام بالجماهير، وإعدادا لجيش الثورة.

الجدير ذكره أن مركز قيادة الثورة كانت في فيتنام الشمالية.

شاركت قيادة الثورة في حكومة ديمقراطية شكلية حيث لم يلبث الاحتلال سوى أيام، ثم قام بقمع الشعب والثوار، مطاردة وسجنا ومحاكمات واستمالة لبعض الثوار بالمناصب، فلجأت الثورة إلى العمل السري، غير أن الجماهير كانت درعا واقيا للثورة بفضل الالتحام.

- خطة أذكى

تمثلت هذه الخطة في استقدام عدد غير قليل من جيش الثورة في فيتنام الجنوبية، وبقي العدد الأكبر في الجنوب يواجه الاحتلال، فقد كانت جذوة الثورة لديه حاضرة بقوة ويمتلك دربة قتالية عالية من خلال حروبه مع الاحتلال الياباني.

وتم صناعة جيش موحد متلاحم جنوبا وشمالا فنسفت فكرة الانفصال، وكانت معارك غاية في الشراسة، وترسخت ثقافة جماهيرية حتى الاقتناع
بحرب طويلة المدى.

- انتفاضة كبرى بقيادة المناضلة "نغوين ثي دين" عام 1960، حيث قامت باحتلال مخازن الأسلحة في العاصمة ثم امتدت إلى بقية المناطق، فاشتعلت حرب شعبية طويلة المدى.

- أسست قيادة جبهة حاملة للمشروع.
- وضعت برنامجا لتوحيد كل القوى وهنا انضمت إليها قوى كثيرة.

- تدخلت أمريكا، وقامت بقصف الشمال بعنف غير مسبوق، واشتركت معها قوى من الدول التي ذكرناها آنفا.

- وقف جيش الثورة مع كل القوى الوطنية في مواجهة الاستكبار والغطرسة الأمريكية وحلفائها واستطاع إسقاط طائرات ب 52 الأمريكية، وهذا كان في نظر أمريكا وحلفائها والدول الأخرى من عاشر المستحيلات.

- فشلت أمريكا وكل الحلفاء بعد ثلاث سنوات نظرا لرجوح ميزان قوى الثورة في كل اتجاه.

- وقعت أمريكا اتفاقية هدنة مع الثورة عام 1968، لكن أمريكا ظلت تراوغ طيلة 5 سنوات فلم تلتزم بالاتفاقيات.

- اعترفت أمريكا بهزيمتها العسكرية ووقعت اتفاقية سلام عام 1973، وانسحبت عام 1974.

- قانون تاريخي

انتصار فيتنام الدولة الصغيرة على دولة عظمى دخل القاموس التاريخي ليصبح "قانونا تاريخيا" بلا جدال مدعوما بعشرات الشواهد.

- تصحيح مفهوم

الثورة الفيتنامية وكمبوديا وغيرها قدمت تصحيحا لمفهوم ثقافي مغلوط وهو أن تقرير مصير الشعوب بيد الشرعية الدولية، هذا الخطأ الثقافي تم تصحيحه في هاتين الثورتين بأن تقرير مصير الشعوب بيد أبنائها.

- الدروس

- الالتحام بالجماهير شكل وعيا حاسما في المعركة شعارا وممارسة (حرب طويلة المدى).

- الخطة كانت واضحة المعالم حددت العدو ووسائل الكفاح المسلح وفقا لكل مرحلة.

- قيادة الثورة التحمت مع أغلب القوى في الداخل نظرا لوضوح الهدف (تحرير، وحدة).

- ناورت قيادة الثورة مع الاحتلال تكتيكا وفقا لطبيعة المرحلة ولزمن محدد (هروب إلى الأمام).

- انفتاح قيادة الثورة على كل الدول بمختلف نظمها واستفادت الدعم اللامشروط، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لفيتنام والعكس صحيح.

- استفادت كثيرا من فكرة ماوتسي تونج للاشتراكية، فحصلت على الدعم الصيني بقوة.

- طمأنت القطاع الخاص للثورة فقدم الدعم.

- التوعية للجماهير: كان الخطاب الثقافي متوازنا قبل الاستقلال وبعده ولم يتغير، حيث تم ترسيخ المفاهيم الثقافية التالية: الاستقلال، السلام، الوحدة، الحرية، الديمقراطية.

- الخطة المرنة وذكاء القيادة في اتخاذ القرارات.. متى؟ وكيف؟ مع إعطاء كل منعطف دراسة كافية ومن ثم المواجهة وإعداد البدائل.

- كمبوديا

خريطة الثورة والثورة المضادة:
- احتلال فرنسي عابث بكل ما تحمله كلمة عبث من معنى.
- احتلال أمريكي إلى جانب فرنسا.
- فرنسا نصبت الملك سهانوك ودعمته عام 1941م معلنة استقلالا شكليا لكمبوديا ضمن فرنسا الاتحادية وإعلان حكومة مؤقتة برئاسة الملك.
- اليابان اجتاحت كمبوديا في مطلع الحرب العالمية الثانية.
- تحرك شعبي شرس لمقاومة اليابان.

- الانتماء الوطني:

- الملك سهانوك لم يستند إلى فرنسا، وإنما مد جسور التحالف مع المقاومة، وهذا أفقد فرنسا هدفها فقطعت علاقتها مع الملك.

- أعلن الملك الاستقلال والحياد.

- تأكدت المقاومة الكمبودية من موقف الملك مغازلةً الحكومة المؤقتة بهدف الحفاظ على الوطن من التفكك والانقسام.

- برزت توليفة من الأحزاب متطلعة إلى الاستيلاء على الحكومة أي إسقاط الملك.

- فرنسا دفعت الجيش للاستيلاء على السلطة وهدف فرنسا قيام حكم عسكري قمعي.

- حزب الثورة الشعبية:

- رسم حزب الثورة الشعبية خطين أحدهما تأييد سياسة الملك سهانوك المستقل المحايد.

- مواجهة الفساد والطغيان داخل أجهزة الحكم.

- أمريكا:

عملت أمريكا على تدمير الاقتصاد الكمبودي عبر كل الوسائل، وكذا تدمير النظام العام المتمثل في النسيج المجتمعي، وفرضت عملاءها التجار عبر دعوة إلى الانتخابات عام 1966 فغيرت موازين القوى.

- تأزمت الظروف وازدادت الضرائب فانتفض الشعب.

غير أن التجار أوعزوا للجيش بالاستيلا على السلطة، واتجه الموقف إلى قمع ومطاردات وملاحقات واشتدت الفوضى.

فانتفض الشعب ضد حكم العسكر، غير أنه لم يتعرض للملك أبدا ولا لأتباعه، وهذا الموقف يعود إلى التوعية التي يقوم بها قادة الثورة، كون الملك رمز الوحدة الوطنية والسياسية.

- لجأت قيادة الثورة للجبال وشكلت الجبهة والهدف هنا فن الإعداد أولا، وابتعادا من إحراج الملك أمام التدخل الخارجي ثانيا، وحفاظا على موارد الثورة ثالثا، والقرب من الجماهير وتحفيزها على شن هجمات مسلحة في الوقت المناسب رابعا.

- أمريكا دعمت انقلابا أطاح بالملك، وبالمقابل:

- أعلن الملك تشكيل جبهة وطنية عريضة فتهيأ لقيادة الثورة أكثر، فالتحمت بالجماهير، وتحول عملاء أمريكا المنقلبين إلى عصابة معزولة تماما.

- استفادت قيادة الثورة الكمبودية من ثورة جنوب فيتنام في معرفة مخططات أمريكا، فاكتشفت مبكرا مخطط الانقلاب على الملك، فكانت الثورة في أتم الاستعداد للمواجهة الشاملة، كون أمريكا أعلنت نظاما جمهوريا شكليا في كمبوديا.

- مفارقة في غاية الغرابة:

اليسار الاشتراكي الشيوعي التابع للسوفييت أعلن التأييد للانقلاب الأمريكي وكذلك السوفييت أيدوا الانقلاب، فاحترق اليسار، وكان الشعب متمسكا بالملك لأنهم عرفوا وطنيته وشفافيته طيلة 15 عاما، وبالمقابل انكشف دجل اليسار الاشتراكي والاتحاد السوفيتي.

- خطة جيش الثورة:

- استعداد الشعب لحرب طويلة المدى إلى جانب الملك، فترنح جيش الانقلاب.

- هرعت أمريكا لإنقاذ الجيش بعتادها العسكري لكن المفاجأة أن المقاومة قد أعدت العدة مبكرا منذ اكتشافها لمخطط الانقلاب.

كانت المقاومة الشعبية عنيدة من البداية ثم حصل توازن لدى قوى الثورة، حيث تحرك الشعب فاستولى على مخازن الجيش المنقلب، وحصلت ضربات غير متوقعة، ذلك أن جيش الثورة أغرق 25 قطعة بحرية أمريكية تبلغ زنتها 60 ألف طن.

- سلطت أمريكا طيرانها المتفوق ضد المناطق المحررة بيد جيش الثورة فأحدثت إبادات شاملة طيلة 6 أشهر، لكن الجيش الثوري كان قد حرر 90% من الوطن عام 1974م.

- اعتمد جيش الثورة سياسة عدم الانحياز والاستقلال، الاعتماد على الذات، تكتيك إستراتيجي عسكري طويل المدى، توحيد كل القوى المعادية لأمريكا، بناء جيش وطني من كل فئات الشعب.

- احتضان أنصار الملك، التنسيق الدقيق بين فصائل المقاومة.

- إعلان التمسك بدين الشعب البوذي إنه دين الدولة.

- احترام كل الأديان داخل الشعب الكمبودي وخارجه.

- العناية بالتعليم ورسم برنامج ثقافي تعليمي وطني موضحا دور الشعب الكمبودي في مواجهة الاحتلال ومبادئ الثورة، ويدرس الطلاب قانون العمل والإنتاج الجاد، واحترام النظام والدولة.

- رفض التحاور مع أمريكا قطعا.
- تحديد العدو الأكثرخطرا بدقة، ثم عزله عن المجتمع، ثم تركيز الضربات القوية تجاهه، بالمقابل فتح الذراع للبقية.
- التمسك بالاستقلال والاعتماد على الذات، وهذان شرطان متظافران حاسمان في نظر مؤلف الكتاب وغيره.

- إعلام الغير بعدالة القضية.
- كلما كانت القضية عادلة حتما ستنتصر.
- كسب تأييد الشعوب، تبني سياسة الحياد السياسي إلا للوطن.
- رسم السياسات وتحديد الأخطر والخطة المرنة.

نلتقي بعونه سبحانه في الحلقة الثانية.

كلمات دالّة

#اليمن