الجمعة 19-04-2024 11:38:30 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

وقفة تأريخية في الذكرى ال56 لثورة 14 من أكتوبر..!

تخادم الاستبداد الإمامي مع الإستعمار الخارجي_واحدية المصير للشعب اليمني

الأحد 13 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص- محمد عبدالقادر

 


تعد ثورة ال 14 من أكتوبر، واحدة من أبرز الملاحم البطولية في تأريخ اليمنيين، وإحدى أهم ثورات الإستقلال الوطني في شبه الجزيرة والخارطة العربية ككل، حيث كانت غالبية دول المنطقة تخضع لتقاسم استعماري بين الدول الكبرى حينها(بريطانيا وفرنسا وإيطاليا). ومن هنا تأتي أهمية ثورة أكتوبر كحدث تأريخي فارق في مسيرة الكفاح العربي للتحرر من الوصاية الدولية والاستعمار المنتهك لحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال بمصيرها وإدارة شؤونها بنفسها.

وعلى الرغم من أن النشاط الوطني لطرد المستعمر بدأ منذ زمن سابق لتأريخ بداية الثورة إلا أن الشرارة الحقيقية اكتملت في ال14 من أكتوبر 1963 ومثلت تتويجًا لنضالات طويلة خاضها الشعب وراكم من خلالها الخبرة ووسائل النضال ليتمكن من تفجير الثورة بعد عام من قيام ثورة 26 سبتمبر في الشطر الشمالي من البلاد ضد حكم الإمامة.

هذا التتابع التأريخي ليس حدثًا عفويًا بل نتاج موضوعي لعوامل كثيرة جعلت مصير الشطرين واحدا وما كان ممكن أن يتمكن شطر من تحقيق الخلاص بدون الأخر، وفي أحداث التأريخ وقائع كثيرة تؤكد هذا المصير المشترك للشعبين، وفي هذه الوقفة سنحاول الحديث عن 14 أكتوبر والعلاقات التأريخية بينها وبين نظيرتها في الشمال وكيف أسهم أبناء البلد الواحد في نضالهم المتداخل بإنجاز هذه الملحمة وصولا لحلم اليمن الموحد والكبير.

* تخادم حكم الأئمة مع الإستعمار

هناك حقيقة تأريخية ثابتة بخصوص العلاقة الباطنية بين حكم الاستبداد في شمال اليمن وحكم الاستعمار في جنوبه، وقد توصل الثوار لقناعة بأنه من غير الممكن أن يتمكن الشعب اليمني من طرد المستعمر دون التخلص من حكم الإستبداد الإمامي أولا، فقد مثل نظام الأئمة شرطيًا شماليًا لحماية الإستعمار في الجنوب ولم يكن الأمر مجرد تخادم مصالح عفوي بل تجسد في شكل معاهدات قانونية موقعة بين الطرفين لعل أبرزها معاهد 1934 التي وقعتها السلطات الإمامية مع الاستعمار والتزمت فيها بعدم التعرض لسلطة الاستعمار أو السماح بأي نشاط عدائي ضدها انطلاقًا من أراضي الشمال، وهو ما مثل نوعًا من التخادم الأمني بين السلطتين.

كان هذا الوضع معيقًا لتحركات الطليعة الوطنية لمكافحة الإستعمار، ولم يكن بمقدور الرموز النضالية التحرك بأمان وتعرضوا لمضايقات عديدة من قبل الحكم الإمامي تماما كما تعرض رفقائهم في الشمال للبطش ذاته. وبالتالي لم تنجح أي محاولات حقيقية لتقويض سلطة الإستعمار، ما لم يتمكن الثوار في الشمال من تقويض سلطة الأئمة أولا وهو ما تم بالفعل بعد ذلك.

* 26 سبتمبر مفتاح ل14 أكتوبر

طيلة زمن النضال الطويل الذي خاضه أبطال الشطر الجنوبي من الوطن ضد المستعمر كان حكم الإمامة في الشمال يمثل حجر عثرة أمام التحرر الوطني وبعد أن توصل الثوار لقناعة بأن نضالهم لن يؤتِ أكله ما لم يتحقق التحرر الداخلي لإخوانهم في الشمال قرروا التنسيق فيما بينهم حتى يتحقق الخلاص من ثنائي الكابوس الوطني العام بالتدريج (الاستبداد والاستعمار).
وبالفعل ما إن تمكن الثوار في شمال الوطن من اسقاط حكم الأئمة إلا وكان ذلك فاتحة خير لشطر الوطن الرازح تحت سلطة الاستعمار.

ولعل من المشاهد الرمزية المهمة التي توردها كتب التأريخ في هذا السياق هي مشاهد الاحتفالات الشعبية العفوية في مدينة عدن لحظة إعلان الثوار في صنعاء إسقاط النظام الملكي وإعلان قيام الجمهورية، بل إن ما حدث بعدها أكثر من ذلك فقد تدفق العشرات من أبناء المحافظات الجنوبية نحو صنعاء للدفاع عنها، ولم تمر شهور قليلة بعد أن ثبت الثوار سلطتهم في صنعاء، حتى بدأوا ترتيبات دعم الانتفاضة المسلحة في جنوب الوطن ضد الاستعمار وكان أن حدثت الشرارة بعد سنة وشهر فقط من الثورة في الشمال.

* نموذج لوقائع تأريخية تكشف واحدية المصير بين الشمال و الجنوب

في فبراير 1963م عقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر “القوى الوطنية اليمنية” حضره أكثر من ألف شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة.

في المؤتمر تم استحداث مكتب للتنسيق تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وتم توجيه نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي، واستقر الرأي حينها على تسمية هذه الجبهة باسم “جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل” ثم تبدل اسمها لاحقًا لمسمى“الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” وإقرار الثورة المسلحة أسلوبا وحيدا وفعالا لطرد المستعمر بدعم شمالي ومشاركة فعالة بالسلاح والمقاتلين والدعم المادي والمعنوي.

*14 أكتوبر ودرس الهوية اليمنية الجامعة

نحن أمام بلاد تؤكد كل وقائعها التأريخية الكبرى والممتدة لقرون أنها قطعة أرض واحدة ومجتمع متشابك ومتجانس في جذوره وهويته، وما ثورة أكتوبر سوى محطة من محطات النضال التي تجلت فيها واحدية هذه الأمة، وإن كان ثمة من درس جوهري يجب التوقف عنده في ذكرى ثورة أكتوبر فهو درس الهوية والاستقلال الوطني، بعيدا عن المحاولات الصبيانية لتزييف هوية الشعب والبحث عن تفسيرات تعسفية للتأريخ كتلك التصريحات التهريجية التي تحاول العبث بميراث الشعب وهويته عن طريق نفي الهوية اليمنية الجامعة عن هذا الجزء من البلد أو ذاك، وهي محاولات مثيرة للضحك تتلاشى أمام أبسط دلالة تأريخية لتمازج الشعب وجذوره الواحدة.

فكرة أخيرة : لجانب درس الهوية اليمنية الصلبة والتي تتجلى في وقائع ثورة أكتوبر، هناك أيضًا درس السيادة وهو جوهر الفكرة التي قامت من إجلها ثورة أكتوبر، فهذا الشعب الذي واجه أعظم قوة استعمارية في العالم وهزمها، لا يمكنه التفريط بشيء من سيادته فطبيعة اليمني التسامح مع كل شيء عدا أن يفرط بالأرض أو يتقبل الإذلال دونما ردة فعل يثأر فيها لكرامته وينتصر لبلاده واستقلالها وسيادتها الكاملة وهو درس يتوجب أن يضع الجميع الاعتبار له ويضاعفون التمسك بحلم أكتوبر وطموحه المتمثل بدولة عادلة وكاملة السيادة.

كلمات دالّة

#اليمن