الجمعة 19-04-2024 10:54:07 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مستقبل الجماعة الحوثية.. بين عوامل السقوط الذاتية وعوامل الدعم الخارجية

الأحد 21 إبريل-نيسان 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ محمد عبدالكريم

 

تصنف عناصر القوة لجماعة ما أو دولة إلى عناصر قوة ذاتية، وأخرى خارجية، وثالثة مضافة.

تعتمد الحوثية على عناصر قوة ذاتية ضئيلة، وعناصر قوة خارجية أكثر من الذاتية، وعناصر قوة مضافة تتمثل في نقاط ضعف السلطة ربما تكون الأهم في استمرار جماعة المتمردين الحوثية في السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات المحيطة بها.

كما تحيط بها نقاط ضعف ذاتية، وبين عناصر القوة والضعف، نقرأ مستقبلها على المدى القريب والمتوسط.

 

عناصر القوة

1- عناصر القوة الذاتية

1-1 الانطلاق من منطلقات عقائدية، فوق كل عقيدة، إذ لديهم يقين راسخ بالاصطفاء والوصاية والإمامة وأنهم الحق المطلق، وأن الله قد ولاهم أمر الأُمة وأوجب عليها طاعتهم.

1-2 لما كان الحق أشخاصا فإن ما يصدر عنهم هو الحق ولو كان باطلا بيّن البطلان، وما يفعلونه من ظلم وجور وقهر هو عندهم عين العدل، إذ هم الميزان للحق والعدل، وليست موازين الحق والعدل مستقلة تقوم على معايير، إنهم الحق والعدل، ولذلك لن تجد عندهم أي حق أبدا ولن تجد عدالة أبدا، وتلك نتيجة طبيعية لما يوقنون به حتى لو كانوا من زمرة {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون}، ويمثل هذا عنصر قوة في تضليل أتباعهم، وجعلهم يقاتلون ببسالة، ويقين أن أسيادهم يدخلونهم الجنة.

التلازم بين الافتراء والتكذيب والظلم والإجرام، وهو ما يجعلهم يتمتعون بقوة وجلد الفاجر، على عكس المتقين.

1-3 تركيز قوتهم على الجوانب الأربعة المالية والأمنية والإعلامية والعسكرية.

على مستوى المال يأكلون أموال الناس بالباطل. يحدثني أحد العاملين في مكتب الضرائب في إحدى المحافظات إنهم يجنون ضرائب تصل إلى خمسة أضعاف ما كان يحصل مع الحكومات السابقة، ويشتغل المكتب بلا كلل، ويعطى الموظفون فتاتا لسد الرمق ليبقوا أحياء، ولا يذهب أي مال إلى الخزينة العامة، فالجماعة تكتنز أموالا طائلة ولا تنفق إلا على أنشطتها، وحتى كثير من الأنشطة، تجبر أُناس على تقديم خدمات مجانية لها مثل تصاميم الدعاية وطباعتها.

المال عنصر قوة هائلة {أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون}، المال والسيطرة قرينان.

على المستوى الأمني، لديهم أجهزة الدولة (الأمن السياسي والقومي وأجهزة وقوات وزارة الداخلية)، وفي الوقت نفسه جهاز الجماعة (الأمن الوقائي) يعلو على الداخلية والجهازين، ويمارس كل ما لم يخطر على بال، وهو أحد عناصر القوة الذاتية، فالبلد غدت مربعات أمنية ومصادر كثر لجمع المعلومات، كما أنهم يجهدون في محاولة اختراق خصومهم بشتى الطرق والأساليب.

وعلى المستوى العسكري والحشد للجبهات لا يتوقف مع استخدام الكلية الحربية لتدريب المليشيات.

على المستوى الإعلامي يصفون إعلامهم بالحربي، أي أن الدعاية والإشاعة جزء منه، لا يوجد في قاموسهم مهنية أو احترام عقول المتلقين بل التضليل الواسع ورفع المعنويات بطرق الكذب فيها بيّن.

2- عناصر القوة الخارجية، تتمثل في السيطرة على أجهزة الدولة ومقدراتها وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية، والإمداد الإيراني بالخبراء والسلاح والمشتقات النفطية المجانية التي تباع وتكون عائداتها لصالح الجماعة وجيوب المتنفذين فيها.

العامل الدولي الذي يتعامل بانتهازية مفرطة إذ يؤكد على الحلول السياسية مع يقينه أن أي تمرد مسلح لا ينتهي إلا بالحسم العسكري.

ثمة تدليل واسع من قبل بعض الفاعلين الدوليين للحوثيين، وعلى الرغم من شعاراتهم وعلى الرغم من كونهم جماعة متمردين وعلى الرغم من افتضاحهم في سرقة ونهب المساعدات، وعلى الرغم من أن كل أعمالهم انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فإن أولئك الفاعلين في القرار الدولي يتعاملون معهم باحترام، وكذلك شأن الأمانة العامة للأمم المتحدة ومبعوث الأمين العام، إذ على الرغم من تنصلهم من تفيذ اتفاق ستوكهولم، والتعامل باستخفاف مع رئيس المراقبين التابعين للأمم المتحدة، إلا أنه لا المبعوث ولا القوى الدولية اعلنا حقيقة موقف الحوثيين من الاتفاق وبالتالي فشله، ومن ثم قيام السلطة والتحالف بعمل عسكري لتحرير الحديدة وموانئها، بل لا يكفون عن الحديث عن حلول سياسية مع جماعة متمردين مسلحين لا يؤمنون بالعمل السياسي اصلا ولا يمارسونه.

هناك إيهام للرأي العام الدولي من قبل الحكومات على أن الحوثيين يعادون القاعدة، وذلك مع علم المجتمع الدولي أن القاعدة مخترقة من قبل إيران والحوثيين، وأنهم يقدمون خدمات للحوثيين في المناطق المحررة.

لكل نظام قاعدته وذلك ما كان لنظام صالح، القاعدة تعمل وفقا لما يريد بشهادات ليس هنا مجال عرضها.

الخلاصة هنا أن التدليل للحوثيين مشهود ويحول دون اتخاذ قرار بالحسم، ومع إفشال الشرعية في مناطق محررة كلها عمليات منسقة وليست صدفة.

3- عناصر القوة المضافة، وتتمثل في نقاط ضعف السلطة في أدائها في المناطق المحررة، قد ترقى إلى كونها العامل الأهم في استمرار الحوثيين في السيطرة على العاصمة والمحافظات المحيطة بها.

 

نقاط الضعف

يمكن النظر إلى نقاط الضعف في كونها ذاتية وخارجية.
1- جماعة مسلحة عقائدية تنظر للسياسة كشأن ثانوي، بل لا تمارس أي سياسة، وتعتمد على القوة بجوانبها المختلفة المذكورة آنفا، وعجز عن فرض إرادتها على الشعب، في كل مرة يعلن الحوثي التعبئة العامة يتضح أنها لا تتعدى جماعته، أي أن الاستجابة لدعواته للتعبئة العامة لا تؤخذ بجدية على المستوى الشعبي.

كما تحدث عن خيارات إستراتيجية كانت محل تندر إذ يطلب من الموالين رأيهم في الخيارات الإستراتيجية، وهم لا يعرفون شيئا عنها، فإذا سأل شخص ما أو توقع قيل له لا تحرج القائد فهو يريد أن تظل سرية، وحديثهم المتكرر عن تحولات إستراتيجية ستذهل العالم منذ سبتمبر 2015، أي أنهم لا يبالون بالكذب والمبالغات، فالمتلقي إن كان منتميا لهم فإنه يكذب نفسه ويصدقهم، وإن كان ليس موالٍ أو معادٍ لهم فإنهم يظنون أنهم قد نالوا من الروح المعنوية عنده.. الشاهد أنهم أميون سياسيا بإعلاناتهم المضحكة.

2- تعدد السلطة، إنها تفتقد إلى واحدية السلطة أي مركز اتخاذ القرار، وقد أوجدت ثلاثة مراكز: الأول ما يصفونه بـ"قائد الثورة"، والثاني اللجنة الثورية، والثالث المجلس السياسي الأعلى.

وتلك تؤدي بالضرورة إلى صراع وتنافس محمومين، وتعارض وازدواجية في إصدار الأوامر، وتلك معضلة حوثية تنعكس على أجنحتها، والسعي من قبل كل طرف لإثبات وجوده، والراجح أن مقتل الصماد كان نتيجة للصراع بين الأطراف الثلاثة، ذلك أن رئيس المجلس السياسي يجد نفسه يمارس سلطة منقوصة ويحاول أن يظهر سلطة الدولة، لكنه يصطدم بعم عبد الملك (عبد الكريم الحوثي مشرف العاصمة)، ومحمد الحوثي رئيس ما يسمى اللجنة الثورية.

ومن مظاهر الصراع تعرض طه المتوكل وزيرهم للصحة لمحاولة اغتيال، الأسبوع الماضي، وهو له صلة مصاهرة بعبد الملك الحوثي، إنه متزوج أخت عبد الملك، ما يعني أن مركزه في الجماعة مهم.

وفي 20 أبريل 2019 تم الإعلان عن وفاة وزير داخلية الحوثيين عبد الحكيم الماوري في بيروت، وتبدو وفاته غامضة، ومؤشر آخر على صراع الأجنحة.

هذه نقطة ضعف هائلة لكن لا يوجد من يوظفها، وإن كانت تضعف الجماعة تلقائيا وباستمرار لكنه ضعف بطيء.

3- الفشل الكامل في إدارة الشأن العام والتحول إلى أعباء على الناس، وذلك مع ممارسات كثيرة أدت إلى وجود سخط عام واسع، أي أن الحوثيين لا يمتلكون قاعدة شعبية، فطبيعتهم في الشح والأخذ دون عطاء، وتضييق سبل الحياة الكريمة، ووقوع الأغلبية الساحقة في الفقر والبطالة والعوز والحاجة، ومع سرقة المساعدات وبيعها في الأسواق، وإعطاء الأثرياء من الجماعة وهم لا يحتاجونها، عوامل مراكمة للسخط العام الذي سينفجر يوما في وجه الحوثيين لا محالة، لا يعرف متى، لكنه كامن كالبركان الذي لا يعرف متى ينفجر.

عند هذه النقطة فإن الجماهير في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين هناك عامل واحد يثبطهم، ليس في دموية الحوثيين وإفراطهم في القسوة، بل خذلان الداخل لهم، والذي تكرر في أكثر من منطقة، مع الخشية من المجهول، بمعنى أكثر تحديدا لو يعلمون أن السلطة ستساعدهم بأن تحل محل الحوثيين في حالة سقوطهم، لن يترددوا في النزول إلى الشارع، وتعطيل الحركة بل ومحاصرة قيادات الحوثيين.

 

مدد

كلما كان هناك انتصار في جبهة ما للشرعية، يعقبه انتصار للحوثيين ورفع روحهم المعنوية.

مثّل انعقاد مجلس النواب لأول مرة منذ اجتياح العاصمة، نصرا سياسيا هائلا للشرعية، وحمل معه بوادر تعاون بين المؤتمر والإصلاح، جناحي العمل السياسي في البلد، مثّل عنصر قوة للسلطة، بقدر ما أصاب الحوثيين في العمق، فقد كان تعطيل المجلس واستخدامه من قبلهم يعطيهم غطاء ولو شكليا إذ لا يهتمون بالجوانب القانونية، كالنصاب مثلا، لكنه يقدمهم باعتبارهم يتبعون الاعتماد على مجلس النواب في إعطائهم غطاء.. فقدان مجلس النواب يضعف موقفهم إلى حد كبير.

غير أن ذلك لم توظفه السلطة في إسناد الجبهات التي تقدمت-مثلا- في العود محافظة الضالع والاقتراب من النادرة وفي البيضاء ذي ناعم، بل قوبل الجيش والمقاومة في المنطقتين بالخذلان ليكسب الحوثي على الأرض.

الخلاصة، تحيط بالحوثيين نقاط ضعف كثيرة ستودي بهم إلى السقوط، والذي يؤخر سقوطهم هو ضعف السلطة من جهة ومحاولات إضعافها المستمرة من قبل بعض القوى الداخلية من جهة ثانية.

إن إسقاط الحوثيين ممكن متى كان لدى السلطة رؤية متكاملة وتخطيط مسبق لإدارة المناطق المحررة.