الجمعة 19-04-2024 13:44:10 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

سياسة الكيل بمكيالين.. لماذا الأمم المتحدة متناقضة في تعاملها مع الحوثيين؟

السبت 20 إبريل-نيسان 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت خاص/ عبد السلام قائد

 

ما زالت الأمم المتحدة، ومختلف المنظمات التابعة لها، تواصل تدليلها لمليشيات الحوثيين، رغم فظاعة الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها مليشيات الانقلاب ضد المدنيين، وأيضا ضد المبعوثين الأممين إلى اليمن أنفسهم وضد العاملين مع منظمات إغاثية تتبع الأمم المتحدة ذاتها، واللافت أن التدليل الأممي للمليشيات الحوثية الإرهابية مستمر منذ ما قبل اندلاع الحرب وحتى الآن.

وبالرغم من اتخاذ الأمم المتحدة لبعض القرارات التي تدين المليشيات الحوثية، وتحملها مسؤولية الوضع الإنساني المتدهور في البلاد جراء الانقلاب، لكن ما يتضح حتى الآن هو أن أقوال الأمم المتحدة وقراراتها، فيما يتعلق بمليشيات الحوثيين، عادة ما تناقض أفعالها في الواقع، وهو ما فهمته المليشيات الانقلابية بأنه ضوء أخضر لها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لمواصلة انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وعرقلة مساعي الحل السلمي للأزمة اليمنية.

- توصيات فريق الخبراء

وكان آخر دليل على تدليل الأمم المتحدة للحوثيين وتناقضها في التعامل معهم، عدم اتخاذها أي إجراءات رادعة ضدهم بعد صدور التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن والموجه لمجلس الأمن، بتاريخ 25 يناير 2019، والذي تضمن عدة توصيات لإيقاف جرائم الحوثيين، لكن الأمم المتحدة لم تلقِ لها بالا.

ومن أهم التوصيات التي تضمنها التقرير النهائي لفريق الخبراء: المطالبة بإصدار قرار يلزم الحوثيين باحترام الاتفاقيات الدولية، والعمل مع مكتب الأمين العام لإيجاد آلية توقف انتهاكات الحوثيين للقانون الدولي والإنساني وقانون حقوق الإنسان وعرقلة المساعدات، وتوجيه رسالة إلى المنظمات البحرية الدولية تحذرها من القذائف المضادة للسفن والأجهزة المتفجرة يدوية الصنع، بالإضافة إلى إنذار منظمة الطيران المدني بمخاطر الطائرات المسيرة بدون طيار والذخائر الطوافة على الطيران المدني.

وفي الجانب الإنساني، لم تتخذ الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها أي إجراءات رادعة تضع حدا لنهب الحوثيين للمساعدات الإنسانية، رغم أن التقرير النهائي لفريق الخبراء الموجه لمجلس الأمن أوضح كافة تفاصيل نهب الحوثيين للمساعدات الإنسانية والعبث بها، حيث ذكر التقرير أنه بالإضافة إلى نهب الحوثيين للمساعدات الإنسانية، فإنهم أيضا اعتقلوا العديد من العاملين في مجال تقديم المعونة وأرهبوهم، ولم يحترموا استقلال المنظمات العاملة في المجال الإنساني، ورفضوا إصدار تراخيص المنظمات وألغوا بعضها، وتدخلوا في اختيار المستفيدين ومناطق التوزيع، ووضعوا العراقيل أمام إيصال المساعدات إلى المحتاجين.

كما أن عرقلة الحوثيين للعمل الإغاثي طال مختلف المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة، وبعضها شريكة لمنظمات تابعة للأمم المتحدة، وكان آخر تلك العراقيل والانتهاكات إقدام المليشيات الحوثية على احتجاز 20 موظفا تابعين لمنظمة إغاثية فرنسية، الخميس الماضي، في محافظة حجة شمالي غرب اليمن.

وقالت اللجنة العليا للإغاثة باليمن -في بيان صحفي- إن الموظفين يتبعون وكالة التعاون التقني والتنمية الفرنسية (ACTED)، وهي شريك برنامج الأغذية العالمي في تنفيذ المشاريع الإغاثية.

وأضافت اللجنة في بيانها أن المليشيات الحوثية منعت الموظفين من مغادرة مديرية بني قيس بمحافظة حجة وأغلقت الطرق أمامهم، قبل أن تحقق معهم وتصادر جوازات سفرهم بدون إعادتها.

وأشار البيان إلى أن مليشيات الحوثي منعت فرق المنظمات الدولية من الوصول إلى 10 آلاف نازح في أحد المخيمات بمديرية أسلم بمحافظة حجة، محملا المليشيات المسؤولية الكاملة المترتبة على منع إيصال المساعدات الطارئة إلى النازحين في المخيم.

وقالت اللجنة إن فرق المنظمات الأممية والدولية تتعرض للمضايقات أثناء تنفيذ المشاريع الإغاثية والإنسانية من قبل مليشيات الحوثي المسلحة في محافظات حجة وعمران والمحويت وصنعاء.

ودعت اللجنة العليا للإغاثة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في حماية موظفي الوكالات والمنظمات الأممية والدولية في اليمن والضغط على المليشيات لوقف تدخلها بالعملية الإغاثية وعمل المنظمات الدولية، لافتة إلى أن الصمت حيال ذلك "جريمة وتواطؤ مع المليشيات الانقلابية".

وأكدت اللجنة أن مليشيات الحوثي الإرهابية تثبت بهذه التصرفات للعالم أجمع بما لا يدع مجالا للشك أنها أكبر جماعة منتهكة للقانون الدولي والإنساني، ولا تراعي أخلاقيات العمل الإنساني.

ورغم فظاعة مثل هذه الانتهاكات، واعتراف الأمم المتحدة بها، سواء عبر بيانات صادرة عنها أو عبر تصريحات لمبعوثيها إلى اليمن أو بعض المتحدثين باسمها، إلا أنها لم تصدر حيالها حتى مجرد بيان إدانة شديدة اللهجة، فضلا عن اتخاذ إجراءات عملية للحد منها أو تخفيفها.

بل لقد وصل الموقف السلبي للأمم المتحدة لدرجة أنها لم تتخذ أي إجراءات حيال تعرض بعض مبعوثيها إلى اليمن لاعتداءات مسلحة من قبل مليشيات الحوثيين، حيث تعرض موكب المبعوث الأسبق ولد الشيخ أحمد لإطلاق نار من قبل الحوثيين في صنعاء، في مايو 2017، وتعرض موكب مبعوثها السابق كاميرت لإطلاق نار من قبل المليشيات الحوثية في الحديدة، في يناير الماضي، وغيرها من الاعتداءات على المبعوثين الأممين وبعض العاملين مع الأمم المتحدة.

- تناقضات مكشوفة

ظهرت تناقضات الأمم المتحدة، في تعاملها مع مليشيات الحوثيين، منذ مرحلة ما قبل الانقلاب على السلطة الشرعية. فمنذ العام 2011، أصدرت الأمم المتحدة ثمانية قرارات تقريبا، وكل هذه القرارات أدانت المليشيات الحوثية وحليفها السابق علي صالح، وبعضها طالبت المليشيات الحوثية بالانسحاب من المؤسسات الحكومية التي سيطرت عليها، كما استنكرت إعلان المليشيات حل البرلمان وغير ذلك من الخطوات التي اتخذتها بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء بتسهيل وتواطؤ من الجيش العائلي الموالي لعلي صالح وعائلته، الذي بدل ولاءه فيما بعد للحوثيين.

كما استنكرت الأمم المتحدة استخدام الحوثيين للعنف من أجل تحقيق أهداف سياسية، والاستيلاء على المؤسسات الإعلامية الرسمية، وحثت عبر تلك القرارات على الحل السياسي للأزمة اليمنية واستكمال المسار السياسي وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتبدو جميع قرارات الأمم المتحدة بشأن اليمن منطقية ولا تتعارض مع دستور البلاد أو مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

تحولت قرارات الأمم المتحدة، بشأن اليمن، إلى حبر على ورق، بعد أن بدأت تتكشف العديد من الفضائح التي أثبتت تناقضها واستخدامها سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الحوثيين، فمن جانب، تتغاضى عن جرائم الحوثيين وتقدم لهم مختلف أنواع الدعم غير المباشر، ومن جانب آخر تعتمد في تقاريرها الإنسانية عن اليمن على روايات الحوثيين، لدرجة أن بعض جرائم قتل المدنيين التي ارتكبها الحوثيون، وثبوت أدلة ذلك، لكن الأمم المتحدة حملت التحالف العربي مسؤولية ارتكاب مثل تلك الجرائم، بناء على روايات الحوثيين، بدون الاستماع لروايات أطراف محايدة أو أن تتولى هي التحقيق في تلك الجرائم، مثل جريمة قصف الحوثيين لسوق السمك في الحديدة، في بداية أغسطس 2018، وغيرها من الجرائم المشابهة، والتي حملت الأمم المتحدة التحالف العربي المسؤولية عنها.

واللافت هو أنه في نفس ذلك الشهر، أغسطس 2018، ظهرت فضيحة مدوية كشفت مدى تناقض الأمم المتحدة واعتمادها سياسة الكيل بمكيالين في اليمن، ففي أواخر ذلك الشهر، نقلت قناة سي إن إن الأمريكية عن مصدر في البنتاجون قوله إن الجيش الأمريكي تتبع قاربا في بحر العرب يحمل أسلحة، وبعد القبض عليه تبين أنه يتبع الأمم المتحدة وعلى متنه أكثر من ألف قطعة سلاح كان ينوي تهريبها من إيران للحوثيين، وأفاد المصدر بأن الجيش الأمريكي صادر تلك الأسلحة، وأن البنتاجون سيبدأ تحقيقا شاملا بشأن تورط الأمم المتحدة في تهريب الأسلحة للحوثيين.

وبعد فضيحة تورط الأمم المتحدة بتهريب أسلحة للحوثيين بأيام قليلة، وتحديدا في منتصف سبتمبر 2018، أظهرت وثيقة مسربة صحة توقيع اتفاق بين الأمم المتحدة ومليشيات الحوثيين في صنعاء ينص على تسيير جسر جوي لنقل المرضى اليمنيين إلى الخارج على متن طائرات الأمم المتحدة.

وبحسب ما أظهرته الوثيقة، فإن ليز غراندي، الممثلة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية، وقعت على الاتفاق مع هشام شرف، وزير خارجية حكومة الانقلابيين الحوثيين.

وكانت غراندي قد نفت توقيع أي اتفاق أو مذكرة تفاهم مع الحوثيين في صنعاء، وقالت إن مشروع الجسر الجوي سيتم التوقيع عليه مع الحكومة الشرعية في المكان والزمان المناسبين.

كما كانت غراندي، التي التقت وكيل وزارة الخارجية اليمني منصور بجاش، قد أكدت أن الأمم المتحدة ملتزمة بالقرارات الدولية ولا تعترف إلا بالحكومة الشرعية في اليمن، إلا أن ما كشفته الوثيقة المذكورة كشف جانبا من تناقض الأمم المتحدة في تعاملها مع الحوثيين.

أﺿﻒ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، إقدام ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻟﻌﺪﺓ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ على تقديم ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﻢ ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ مليشيات الحوثيين الانقلابية، ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻤﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً بأﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﺒﺪ ﺭﺑﻪ ﻣﻨﺼﻮﺭ ﻫﺎﺩﻱ ﻭﺣﻜﻮﻣﺘﻪ. ويعد ذلك تناقضا ﺻﺮﻳﺤﺎ ﻭﻋﻠﻨﻴﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، خاصة بعد أن وصف ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ مليشيات الحوثيين بـ"ﺳﻠﻄﺎﺕ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ".

وهكذا يتضح مدى تناقض الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها في تعاملها مع الحوثيين، وهو التناقض الذي يكشف جانبا من أجندة الدول الكبرى المتحكمة في عمل المنظمة، والتي اتخذتها واجهة للتدخل في مختلف الصراعات في العالم من وراء ستار، وتوجيهها وفقا لما تقتضيه مصالحها، لذلك فهي تعمل على إطالة أمد الحروب لإضعاف بعض المجتمعات، ولتجني أموالا طائلة من مبيعات الأسلحة لأطراف الصراع، والتأسيس لحروب مستدامة، وإعادة هندسة ميزان القوة بين الأطراف المتصارعة في مناطق النزاعات وفقا لما تقتضيه أجندتها ومصالحها التي تختلف من بلد إلى آخر.