الخميس 18-04-2024 12:14:11 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات.. الخطوة الثالثة: الإصلاح والشراكة

السبت 16 مارس - آذار 2019 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص - أ. عبد العزيز العسالي

 

مدخل مفاهيمي

أ- مفهوم بناء دولة المواطنة

هو مفهوم مكون من عدة قضايا وهي بمثابة دوائر متداخلة، والمقصود بالمتداخلة أنك إذا تحدثت عن قضية من قضايا بناء الدولة ستجد أنك لن تتحدث عن التعايش بمعزل عن الديمقراطية ولا عن الديمقراطية بمعزل عن التعددية ولا عن التعددية بمعزل عن الحرية... إلخ.

 

ب- إذن اتضح هذا التداخل بين مكونات مفهوم بناء الدولة.

ج- عرفنا في الخطوتين/الحلقتين السابقتين أن التعايش كان هدفا مقصودا لذاته أولا، وأنه في ذات الوقت كان هدفا وظيفيا ساعد في إرساء وتوجيه الخُطى نحو بناء دولة المواطنة ثانيا.

د- عرفنا موقف تجمع الإصلاح في الخطوة/الحلقة الثانية تجاه بناء دولة المواطنة تنظيراً وممارسة عملية وسط معوقات من الصعب تجاوزها إلا بمفتاح من داخل الثقافة الإسلامية.

هـ- في هذه الحلقة سنسلط الضوء على الخطوة الثالثة المتمثلة في "الإصلاح والشراكة" قائلين: تعتبر هذه الخطوة لازمة للخطوتين السابقتين تلازما منطقيا، نظرا للتداخل المفاهيمي الآنف الذكر، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، حركة الإصلاح اليمنية اختارت خط التعايش والتغيير السلمي والدعوة بالحكمة، كما أشرنا سابقا.

هنا نصل إلى السؤال القائل: هل لدى تجمع الإصلاح رؤية نظرية إستراتيجية حول الشراكة؟ وهل مارس الشراكة في الجانب العملي؟

 

والجواب:

1ــ خيار المشاركة كان حاضرا ذهنيا لتقديم ما يمكن تقديمه مراعاة للواقع الظرفي ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، وذلك خلال فترة ما قبل الثورة الدستورية 1948 وحتى 1990م.

2ــ بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م والتي كان من شروط إقامتها إعلان التعددية السياسية.

3ــ أكرر القول: لستُ مبالغا إن قلت إن إعلان التعددية السياسية كان بمثابة "ربيع الحركة الإسلامية"، حيث بادر رجالها وأعلنوا عن إقامة تكتل حزبي سياسي باسم "التجمع اليمني للإصلاح".

4ــ وفي يوم إشهار قيام تجمع الإصلاح ظهرت أدبيات الإصلاح في كتابه "النظام السياسي"، والذي تضمن الرؤية الإستراتيجية عن بناء الدولة بصورة عامة.

5ــ بعد حرب صيف 1994 حدد الإصلاح موقفه من الشراكة بصورة أكثر دقة، معلنا التزامه بعدد من المبادئ في حالة الشراكة في الجهاز التنفيذي.

 

الإصلاح والشراكة

هذه الخطوة سنتحدث عنها بإيجاز شديد وذلك في المحاور التالية:

المحور الأول: الرؤية النظرية للمشاركة.

المحور الثاني: المشاركة العملية.

المحور الثالث: المعوقات، يليها الخاتمة.

 

المحور الأول: رؤية الإصلاح للمشاركة

قدم تجمع الإصلاح رؤيته حول أسس المشاركة أثناء قيام الائتلاف الثنائي، على أني سأقتصر على أبرز الأسس وهي:

1ــ الاختلاف يعود إلى مرجعية الشعب وثوابته الدينية والوطنية.

2ــ العمل على ترسيخ مبدأ العدل والمساواة والالتزام بالدستور والقانون.

3ــ الالتزام بحقوق الإنسان الخاصة والعامة.

4ــ التمسك بالنظام التعددي والتداول السلمي للسلطة.

5ــ حق المعارضة في ممارسة دورها السياسي ترسيخا للمارسة الديمقراطية.

6ــ العمل على حيادية الإعلام.

7ــ الحوار والتشاور المسبق في اتخاذ القرارات.

8 ــ التزام مبدأ الشفافية التامة.

وعليه، يمكن للقارئ أن يستشف ما بين سطور وأحرف هذه الأسس، كون هذه الأسس هي ترجمة للواقع المعيش، المتغول سياسيا والذي اتجه عمليا نحو التسلط الفردي والإقصائي، والذي اتضح من خلال تعديل الدستور بعد الحرب الآنفة الذكر.

لقد عكست التعديلات الدستورية عقلية الاستحواذ على كل الأمور، تاركةً هامشا اسمه تعددية وديمقراطية أشبه بمكياج خادع، وإن شئت فقل قليل من الزيت وبصلة لإنجاح عملية الطبخة المحددة كمّاً ونوعاً.

 

المحور الثاني: المشاركة العملية

1ــ بادئ ذي بدءٍ، إن التزام الإصلاح بتلك الأسس لا يعني أن الإصلاح إذا لم يستطع تنفيذ التزاماته أنه سيخرج من الائتلاف داعيا لعقد مؤتمر صحفي يبين من خلاله أسباب عجزه إزاء تنفيذ التزاماته، لا يعني هذا، ولكن ما يهدف إليه الإصلاح من خلال إبراز هذه الأسس هو:

 أ- توعية المجتمع بجرعة من الثقافة السياسية والحقوقية والإدارية.

ب- التزام الطريق السلمي في المشاركة وفي ترك المشاركة، ذلك أن الخروج من المشاركة بطريقة إعلان مؤتمر صحفي... إلخ، لا يخلو من مناكفة، وهنا ستكون السلطة المتغولة قد وجدت مشجبا لتعليق إخفاقاتها على الشريك.

وهنا استحضر مثالا سريعا يعكس مدى عقلية المناكفة والإقصاء فضلا عن التشويه وإلصاق التهم بالشريك خلال فترة الائتلاف الثنائي، حيث انتشر وباء التيفوئيد وكان وزير الصحة حينها إصلاحي، وكان المجتمع يدرك جهود الوزير يومها ووزارته ومتابعاته لمكاتب المحافظات.

 

وكانت المفاجأة أن الإعلام الرسمي التابع لحزب المتسلط ينشر تصريحا للمفسد وزير المالية قال فيه: إن وزارة المالية صرفت المبالغ لتغطية حاجة المواطنين إزاء وباء التيفوئيد لكن وزير الصحة اشترى بالمبلغ هاتفا محمولا.

نترك التعليق للقراء.

2ــ شارك الإصلاح في ست وزارات خدمية والهدف هو تخفيف العبء على المواطن قدر الإمكان في ظل المناكفات (الهاتف المحمول أنموذجاً).

3ــ استمر الإصلاح في الائتلاف الثنائي، وخرج بطريقة سلمية ديمقراطية عقب انتخابات 1997 وأعلن أنه سيتجه نحو المعارضة البناءة.

4ــ كانت المشاركة هي إحراق للأصابع كما يقال، وكان الإصلاح يدرك أخطبوط التغول المتسلط، ومع ذلك تحمل بل وخسر نقاطا لكنه قدم العمل بالمبدأ العام وهو التزامه بالتغيير السلمي، مشاركة ومعارضة.

 

إنجاز رائع

ما كنت أريد أن أتحدث عن إنجازات عملية لكن وجدتني مضطرا لتقديم دليل الهدف منه إيضاح وتوعية وتثقيف المجتمع، مشيرا إلى السبب الجوهري الحقيقي القابع وراء تدمير وتجريع الشعب وسلب مقدراته، فأقول:

عندما امتلك الإصلاح جانبا من القرار الإداري التنفيذي وذلك خلال فترة حكومة الوفاق الوطني، استطاع رئيس الحكومة والوزراء المحسوبون على الإصلاح إنجاز أعمال لو أن حكومات المؤتمر فعلت نصفها خلال 33 عاما لطلب الزعيم وحكوماته وحزبه الدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، معتبرين ذلك تفضلا من الزعيم أولا وإنجازا نهضويا ثانيا، ومحاربة للفساد ثالثا، وهلم جرا.

5ــ منجز يعلمه الجميع، وهو اعتماد قرابة 63 ألف وظيفة في لحظة واحدة، في حين كان الزعيم المتسلط قد أغلق باب التوظيف منذ عام 1999م.

6ــ منجز تعلمه شريحة محدودة، وهي شريحة الملتحقين بوزارة الداخلية ضباط وجنود، أيام حكومة الوفاق الوطني تسلم الإصلاح وزارة الداخلية، وقد كان الفساد المالي المتمثل في: سرقة أغذية الجند، وعلاوات 15 سنة، إضافة إلى خصميات بلغت حد الفوضى تحت مسمى الإسكان، وتمليك منازل لمنتسبي وزارة الداخلية، ضاع كل شيء من تغذية وعلاوات وخصميات التهمتها المافيا، وجاء الوزير الإصلاحي فسلم:

 أ- العلاوات بأثر رجعي طيلة السنوات الـ15 الماضية.

ب- سلم الغذاء المقرر (الكمية كاملة) لكل منتسبي الوزارة. مثال: كان الجندي أو الضابط يستلم "كرتون" فول ونصف كيس دقيق، فجاءت وزارة الإصلاح فدفعت ستة "كراتين" فول وفاصوليا وكيسيْ دقيق والسكر والشاي.

ج- استلم الضابط علاوة أكثر من 17 ألف ريال شهريا، إضافة إلى فوارق السنوات الفائتة.

د- أعادت الوزارة مبالغ الخصميات باسم الإسكان وأُعطيَ كل منتسب للوزارة ما خصم عليه، وبلغ مجموع الرقم الذي تمت استعادته فوق 3 مليارات ريال.

السؤال المنطقي: هل سمع المجتمع ضجيجا إعلاميا؟ أكتفي بهذا فقط، علما أن هناك منجزات ضربنا عنها صفحا.

منجزات هي حق للشعب وليست منة من أحد ولا تفضلا، والإعلام الحزبي والرسمي والأهلي يعلمها ولكن لا حديث عنها، كون الإصلاح التزم حيادية الإعلام ووقف عند التزامه، إلا في الحدود العادية وبدون هريف ولا ندوات... إلخ.

باختصار، لقد نالت وزارة الداخلية جزاءها الصارم قبل الانقلاب على الشرعية بأكثر من عام، وتم نهب ممتلكاتها.

يا ترى هل يعلم المجتمع من قام بعملية النهب؟ ولو علم المجتمع أن أغلب النهابة هم من منتسبي وزارة الداخلية بل ممن أخذوا حقوقهم. لو علم المجتمع أشخاص السقوط القيمي والجهة المستفيدة، هل سيعيد النظر؟

 

المحور الثالث: المعوقات

1ــ تغول السلطة الحاكمة: هذا التغول صنعه الإعلام، والذي وجد أرضيةً خصبة فامتصت الدجل والتقديس الفاجر، هذه الأرضية تتمثل في معوق "الأمية الثقافية المجتمعية"، والتي يستغلها سيف المعز فقط أما ذهبه فلا، ويتفاجأ العقلاء أن حمَلة الشهادات العليا فما دونها يتماهون في شخصية المستبد وأذنابه بصورة غريبة، وفي ذات الوقت هم ذئاب وأسود تجاه كل داعية إلى احترام الحريات والحقوق.

لكن إذا أمعنا النظر في القرآن العظيم سنجده يقول عن بني إسرائيل: {... واتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد}. يعني يعلمون أن موقف فرعون خطأ ولكنهم يتبعونه متماهين في شخصيته.

2ــ التدين المغشوش: هذا هو الجرح المتقيح منذ قرون، والعجيب أن هذ الغش حاضر في الذهنية المجتمعية وبقوة، فهل الغش التديني انتقل إلى المجتمع بواسطة الجينات؟

وما أسوأ أن يجتمع تدين وراثي وجهل ثقافي، والأشد نكاية أن التدين المغشوش لديه إمكانات لإعادة إنتاج ذاته ويجد رواجا غريبا. هذان المعوقان، الجهل والتدين المغشوش، كانا ولا زالا متكأً للاستبداد والتسلط ومصادرة كرامة الأمة وحقوقها.

 

الخاتمة

ذلك هو موقف الإصلاح إزاء المشاركة تنظيرا وممارسة عملية في الحكم والمعارضة، وتلكم هي أبرز المعوقات وأشدها وأصلبها في وجه التغيير السلمي.

لكن المعرفة بأساليب التغيير، انطلاقا من داخل الثقافة والصبر والتعايش والتغيير السلمي، أثمر ثورة فبراير السلمية والحوار الوطني، وصولا إلى التضحية في سبيل الجمهورية والحرية والديمقراطية، ولا غرابة في هذا.

 

نلتقي بعونه سبحانه مع الخطوة الرابعة: الإصلاح والديمقراطية.

 

** تنويه:

هناك أشخاص افتقدوا القيم وانهارت نفوسهم ضعفا وتهالكا خلف المادة وعبادة الذات، وربما حب الأضواء، وربما يريدون دخول التاريخ تقليدا للبائل في زمزم معللا سلوكه القذر بأنه يريد دخول التاريخ من منهل اللعنات،

فترى من يكتب سخافات وتلفيقات أن الإصلاح فعل وقتل ونهب... إلخ، ولا يستحون أبدا، وتحس أنهم قد استمرؤوا العيش في مستنقعات التفاهات، ولن يستبعد العاقل أن يجد هؤلاء وقد نسبوا إلى الإصلاح قتل عيسى المسيح والنبي يحيى ووالده زكريا عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

نعم أقول هذا عن دراية بهذه النوعية، وإليك أخي القارئ مثالا عايشته بنفسي في حلقة نقاشية حول الدولة المدنية، حيث استأذن أحدهم ليقدم مداخلته وقال بالحرف: الدولة المدنية قتلت بمقتل الشهيد الحمدي رحمه الله، حيث تآمرت عليه القبيلة والخليج في جامعة الإيمان. وكررها ثلاثا وسط ذهول الحاضرين ورفض أي تصويب.

صدقت يا رسول الله عندما قلت: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".