الجمعة 29-03-2024 05:28:27 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. جماليات الثورة والسقوط السياسي .. السقوط السياسي.. خلفيات وعوامل

الثلاثاء 19 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / أ. عبد العزيز العسالي
 

 

 (الحلقة الرابعة)

 تحدثنا في الحلقة الثالثة حول المحاذير الثقافية المدمرة لجسور الثقة بين الحكومات والشعوب أو بين الدول فيما بينها.

وتحدثنا أيضا عن بعض مظاهر السقوط السياسي واخترنا القضايا البارزة المعلومة والتي فعلتها عصابة الحكم بكل وقاحة.

وفي هذه الحلقة سنتحدث في ثلاثة محاور وخاتمة.
المحور الأول: خلفيات السقوط السياسي.
المحور الثاني: عوامل السقوط السياسي.
المحور الثالث: مكتسبات الثورة والثمار المرتقبة.
الخاتمة: مفهوم الثورة عند فلاسفة الاجتماع.

المحور الأول: السقوط السياسي

إن السقوط السياسي الذي دمر اليمن نظاما وإدارة وتنمية لم يكن خطأً غير مقصود، كلا، وإنما كان ترجمة واضحة
لـ"تخلف عقلية الحاكم الأعلى".

والدليل على تخلفه، أنه لم يستفد أبدا طيلة ثلاثة وثلاثين عاماً، تلاها سبع سنين، المجموع 40 عاما، تجلت النذر القوية في العقد الأخير، إنذارات الشعب واهتزازات عنيفة للشرعية السياسية المزورة، حيث انطلقت الاحتجاجات السلمية، واعتصامات مطالبة بإصلاح الوضع لا غير، منددة بالفساد والفوضى والعبث والتسيب الإداري.

ــ اعتصامات لشرائح نوعية.
ــ هيئة التدريس بجامعتي عدن وصنعاء، مطالبة بتحسين الأجور في مواجهة الجرع المتكررة التي أرهقت كاهل الموظف فضلا عن المواطن غير الموظف.
ــ احتجاجات المعلمين للهدف ذاته وحقوق وعلاوات وبدلات كفلها القانون.
ــ اعتصامات الحراك الجنوبي السلمي.
ــ اعتصامات المحامين والصحفيين بشأن الاعتداء على الصحفيين واعتقالاتهم وكذا بخصوص مهجري منطقة الجعاشن بمحافظة إب، والتي كانت وصمة عار في جبين القرن الـ21 وفي طليعته عصابة الحكم العائلي وكر الفساد، والتي لم تحترم نفسها ولو بتقديم بطانية أو خيمة للمهجرين.

تلا ذلك الهبَّةُ الشعبية التي ذكرناها في الحلقة الأولى، والتي ملأت شوارع العاصمة بعشرات الآلاف وكذا عواصم المحافظات، واستمرت الهبّة مطالبة بإصلاح الوضع وإيقاف الجرع، وصولا إلى الثورة الشعبية السلمية والتي عكست العمق الثقافي والشعبي والمؤسسي للثورة.

ولأن العصابة كانت قد اختزلت الشعب كله في شخص واحد، وهذا الشخص سلم الصلاحيات المطلقة لولده ولبقية الصبية، فقد كانت الاستجابة إزاء النذر الشعبية هي الانغلاق، ولغة التناحر، والاستعلاء، والتشويه والاتهام بالعمالة للخارج... إلخ المحاذير.

ــ أربعون عاما في سدة الحكم لم تزده إلا غباءً وتبجحاً واستعلاءً أجوف.
ــ ألم يظهر على التلفاز بعقلية طفولية قائلا: من يرحل؟
ــ إن لم يكن هذا هو التخلف المزري الموغل في وهاد الانحطاط الثقافي المشين، فما هو التخلف إذن؟
ــ لقد صدّق نفسه أنه مالك الأمر المتصرف المطلق وأنه لا راد لما يريد، وصدّق جوقة المطبلين الذين جمعهم حوله فظهر مخاطبا الشعب اليمني الثائر: "اليمن ليست تونس ولا مصر".

تلك هي حالة المستبدين الطغاة، يجمعهم شيء واحد هو الغباء، وهو أس التخلف ومرتكزه.
ــ مارس القتل والاختطاف والإرهاب ضد الثورة السلمية، ظنا أنه سيرعب شباب الثورة السلمية.
ــ كاتب هذه السطور وقف على معلومة موثقة تفصح عن عدد من قتلوا من شباب الثورة السلمية في كل المحافظات بلغوا 2000 شهيد، والجرحى أضعاف الشهداء.

ومع ذلك استمر الشباب الثائرين سلميا يقدمون التضحيات، لأنهم وعوا الهدف تماما بل ارتفع منسوب الوعي إلى حد القناعة الشبابية بأن الشعوب تنال كرامتها بقدر تضحياتها، وفي ذات الوقت وعت الثورة الأبعاد التي يرمي إليها رأس الفساد، فازدادت صموداً وتضحية، ولم يتزحزح شباب الثورة إلى مربع العنف الذي أرادته عصابة الزعيم رغم نوافير الدماء الزكية.
ــ اختطاف، اعتقال، تنكيل، إخفاء قسري، أُمطرت المسيرات بآلاف الرصاص، ومئات القنابل، والرش بالمياه الساخنة والملتاثة بالقذارة، والغازات المسيلة للدموع، وكذا غبار الفلفل الحار، ففشل.

ــ تجميد التنمية: هذا الفساد الذي أنتج بطالة فاقت الـ50% والهدف من تجميد التنمية مزيد من نهب الثروات.

شعب تنهب ثراوته وهو صابر ومشتت في كل البلدان، وعندما خرج بثورة سلمية كانت مكافأته القتل بالرصاص الحي. غير أن الشعب قابل دموية الزعيم بصدور عارية، وصمد قرابة 113 أسبوعا، بحسب عدد أيام خطب الجمعة الموثقة بالاسم والرقم والتاريخ. صمد تحت سياط الشمس اللاذعة، وزمهرير البرد القارس والأمطار وعواصف الريح، مقدما خيرة الشباب شهداء وجرحى ومعاقين.

سماحة الشعب

وإزاء دموية عصابة الإفساد المهلكة للحرث والنسل، تسامح الشعب مع الدموية موافقا على منح حصانة للزعيم وعصابته وكل من يحب أن يلتحق بالقتلة، وليذهب بما سرقه من ثروات الشعب، على أن يترك الشعب يعالج مشكلاته ويحقق ذاته ويرسم خط مستقبله بما يمتلكه الشعب من كوادر.

ــ ثورة سلمية قالت للزعيم: اتركنا وأنت الرئيس السابق، فأبى واستكبر منطلقا خلف نزواته المتخلفة التافهة الحقودة، ظنا منه أنه سينتقم من الشعب السموح، فرسم خطا انتهى به إلى أن استحق التوصيف بالهالك.
الشعب أقوى من مدافع ظالم
ويفل خد السيف وهو مهند.

أليست هذه التصرفات هي التخلف الضارب في أغوار اللاوعي لدى الزعيم؟ إن لم تكن هذه التصرفات تعكس أقبح أنواع التخلف، فما هو التخلف؟ بل ما هو الغباء؟ تلكم هي إلماحة حول خلفية الانحطاط السياسي.

المحور الثاني: العوامل المساعدة

كثيرة هي العوامل التي ساعدت زعيم العصابة على استمراء الانحطاط السياسي دونما خجل. غير أننا سنشير إليها إجمالا على المستويين الخارجي والداخلي.

العامل الخارجي: يتمثل في الحرب الباردة بين السوفييت والولايات المتحدة الأمريكية ومن في فلكهما، حيث تم تصعيد العقل المتخلف الحاقد على الشعب في ظل هذه الظروف. ظروف كانت فوضى خلاقة، ساعدت التخلف أن يتربع حاكما.

العامل الداخلي: هذا العامل هو المتكأ الذي وظفته الرأسمالية، ذلك أن طبقة المشايخ وكبار التجار والحركات الإسلامية كانوا في مرمى الماركسية الشيوعية السوفييتية وكانت حكومة اليمن الجنوبي حينها حليفة السوفييت.

فكانت الفرصة للرأسمالية التي أجادت توظيف الدين لإلباس الصراع الصفة الدينية، كون السوفييت الشيوعيين ضد كل ما هو ديني حسب خطاب المرحلة. إلى جانب ما سبق فهناك عوامل أساسية كانت هي المرتع الخصب لخطاب تلك المرحلة منها.

جهل الشعب: هذا في نظري هو القاصمة، ذلك أن المثقف يعيش "وباء التقليد"، وإن شئت فقل انقسام وعي النخبة، فتيار اليسار يعيش تبعية مطلقة للوافد دون وعي أي ماذا يأخذ وماذا يترك؟ فكانت تبعية مثيرة للقرف يغذيها انبهار حضاري أمام بريق الحضارة المادية، يقابله التيار المحافظ المتشبث بالماضي بكلاكله دون تمييز أيضا، مستندا إلى بعض الحقائق والبقية أقرب إلى المنامات.

هذا الوباء الثقافي المتمثل في محنة التقليد للوافد والموروث، أوجد أرضية فارغة ثقافيا تربع عليها زعيم التخلف في أمان تام.

وليس أخيرا: التعليم.. لا أحب أن أقف عند هذا العامل، كون أغلبية المجتمع يعلمون بل ويعانون هذه المعضلة المزمنة، واستطاع زعيم العصابة أن يقتل بقايا مظاهر الحياة في التعليم، ويكفي العاقل أن النجاح أصبح دعاية انتخابية قبل الانتخابات وبعدها.

هناك عوامل أخرى ساعدت التخلف على الإمعان في ارتياد وهاد ودركات الانحطاط السياسي، ولكنها رغم خطورتها تعتبر عوامل متفرعة عن العوامل الآنفة.

المحور الثالث: مكاسب 11 فبراير والثمار المرتقبة

واكتشفنا من العمالات صنفا
كانت أطرى ما أحدث العم سامُ
(البردوني).

في هذه المحور سنتحدث حول أهم مكاسب ثورة 11 فبراير السلمية، وبما أن رؤية المجتمع تنقسم إلى نوعين: رؤية مادية متسرعة، ورؤية فكرية ثقافية، فإني سأتحدث عن الرؤية المادية المتسرعة إلى الحلقة الخامسة بعونه سبحانه، مقتصرا حديثي في هذا المقام حول المكتسبات الفكرية والثقافية.

كانت عصابة الإفساد المتحكمة قد أفسدت كل القيم الوطنية والثقافية والسياسية، ولأن الكثير لا يدركون المكاسب الثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعيه للثورة، فإننا سنسلط الضوء حول مكاسب الثورة المتصلة بالقيم الوطنية قائلين: إن المكاسب الفكرية والثقافية هي الأرضية التي انبثق عنها الصمود الأسطوري للثورة السلمية أولا ثم الكفاح المسلح لدحر الانقلاب واستعادة الشرعية السياسية، هذه المكاسب القيَميّة هي المرضع للصمود والثبات والتضحية والكفاح الطويل.

أهم مكاسب ثورة 11 فبراير

أولا، انتقال الخوف من مربع الشعب إلى مربع السلطات، ذلك أنه كان قد شاع خلال ثلث قرن أن الشعب مات وانتهى، أو أن المواطن أصبح سلبيا وهذا ألطف توصيف، ثم إن السلطة ضاربة القوة... إلخ التهاويل، فالشعب أسقط كل الرهانات وكفر عن خطيئته وتقصيره، تاركا المثقف وراء ظهره. إذن، أعظم مكاسب ثورة 11 فبراير السلمية أنها نقلت الخوف إلى مربع السلطة.

ثانيا، دفنت أطماع التوريث والسلالية إلى الأبد.

ثالثا، دفن الحكم الفردي وإلى الأبد، وترسيخ النظام الجمهوري، متحدية كل المطامع مهما كانت قوتها.

رابعا، فتحت الباب نحو الثقافة المدنية مقدمةً أروع وأنصع لوحة ثقافية ديمقراطية في التعايش والقبول بالآخر، ودفن عقلية التخلف والإقصاء التي ظن المفسد أنه قد رسخها في المخيال الشعبي وإلى الأبد.

خامسا، من خلال مخرجات الحوار، أعادت القرار إلى الشعب الذي يعد المالك الأصلي لمنح الشرعية السياسية، كونه صاحب المصلحة الحقيقية.

سادسا، وضعت تصورا نظريا لنظام الحكم، بأن يكون برلمانيا، وتوزيع الصلاحيات بين مؤسسات الدولة، متكفلة بالمتابعة والتنفيذ العملي على أرض الواقع.

وهذا ما قامت لأجله ثورتي سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963، لكن تعثَّر تنفيذ هذه الأهداف، فجاءت 11 فبراير السلمية امتدادا للثورة الأم، مصوبة عينها لتنفيذ هذه المكاسب، فاستحقت هذه الثورة الشبابية وسام الشرف اليمني في القرن الـ21.

سابعا، خلقت وعيا شعبيا في اتجاهات مختلفة، وأهمها الوعي بدور ومهام القوات المسلحة والأمن، وكيفية بنائهما ورفعت عنهما يد التسلط الفردي والعائلي والسلالي والطائفي والجهوي والمناطقي، مع تسليمنا بأن هذا الوعي لا زال في حده الأدنى لكن عقارب الساعة لن تعود للوراء.

وها هي الثورة تجسد هذا المكسب عمليا ببناء جيش وطني يجالد الانقلاب ويقارعه في كل شبر من تراب الوطن الغالي.

ثامنا، رسمت الثورة حدوداً لصلاحيات الحاكم فلا حكم مطلق بعد 11 فبراير، شبت عن الطوق أرضي يا مراوغها، فانظر لدجلك كهانا وغلمانا.

تلكم هي باختصار شديد أهم مكاسب ثورة 11 فبراير السلمية، ولنا تفاصيل أكثر في الحلقة القادمة.

الخاتمة، اتفق علماء الاجتماع السياسي على أن مفهوم الثورات يعني شعبا يتطلع إلى حياة أفضل فيثور على نظام حكم متخلف. وعليه، أدعو القارئ للاطلاع على ما تم استعراضه في هذه الحلقة وما سبقها، مراعيا التأمل الهادئ في المكتسبات التي أوردناها قبل قليل ثم يقرر الإجابة على الأسئلة التالية:
1ــ هل كان علي صالح حاكما متخلفا؟
2ــ هل ثورة 11 فبراير سبقت زمنها؟
3ــ هل تحققت مكتسبات ثورة 11 فبراير؟

نلتقي بعون الله مع الحلقة الخامسة والتي سنسلط الحديث فيها حول ثورة 11 فبراير بين قراءتين.

كلمات دالّة

#ثورة_11_فبراير