الجمعة 19-04-2024 23:52:31 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للإصلاح.. قراءة في البنية الفكرية والمحددات السياسية (الحلقة الخامسة)

السبت 02 فبراير-شباط 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ فهد سلطان

 

 

أولت الحركة الإسلامية اليمنية للجانب الفكري جهداً كبيراً بعد ثورة سبتمبر/أيلول 1962م، ومع كل الخلافات الفكرية والصراعات السياسية التي كانت تثار بين الفترة والأخرى تجنبت الحركة ما كانت تحذر منه عبر الانزلاق نحو المذهبية والمناطقية.

وحرصت على أن تكون كل جهودها الفكرية والسياسية والتربوية تتجه نحو حماية المجتمع وتثقيفه وتحصينه من موجات التغريب والتشدد. وأثناء فترة السبعينيات، كان نشاط الحركة الإسلامية قوياً من خلال دعم وتأسيس المعاهد لتخريج القضاة وقيام المعاهد العلمية ومن خلال مكتب الإرشاد الذي أوكل لها، وهي المنابر الثلاثة التي ستعمل الحركة فيها بنشاط كبير وسيكون لها أثر كبير فيما بعد.

وأثناء فترة الثمانينيات، ذهبت الحركة الإسلامية نحو الدفع بصياغة قوالب ومحددات فكرية واضحة، وجعل الدولة هي المناطة بحماية المجتمع وتوجهه، وإزاء ذلك شاركت الحركة بفاعلية في تأسيس وقيام كيانات وطنية بعد حوارات مستفيضة منها الميثاق الوطني.

 

الميثاق الوطني

تكمن أهمية "الميثاق الوطني" في أنه لم يكن حصيلة جهد فردي أو نخبة اجتماعية معينة، وإنما نتاج جهود جماعية مضنية اشتركت فيها مختلف القوى والفئات الاجتماعية والشخصيات الوطنية عبر ممثلين عنها أنفقوا في إعداد مشروعه وقتًا استمر لأكثر من عام.

وقد شارك في صياغته شخصيات ذات كفاءة عالية إلى حين التوصل إلى صيغة نهائية مقبولة من الجميع، بعد سلسلة من الحوارات الوطنية الجادة اتسمت بروح ديمقراطية.

وبعد الاستفتاء الشعبي عليه، أصبح بعد إقراره وثيقة إجماع وطني، سجلت بذلك سبقاً في تاريخ العمل السياسي منذ فجر الحركة الوطنية في اليمن.

وهنا أخذت مسيرة بناء الدولة اليمنية تسلك منحى تكامليا متقدما منذ تاريخ 27 مايو/أيار 1980م الذي صدر فيه القرار الجمهوري رقم (5) في ذات العام، حيث تعتزم القيادة اليمنية من خلاله صياغة "ميثاق وطني" يوحد القوى اليمنية المختلفة على منهج فكري واضح وثوابت إستراتيجية ملزمة، وقد نص القرار المذكور على تشكيل لجنة حوار وطني تتبنى على عاتقها صياغة أفكار الميثاق الوطني.

وتتألف هذه اللجنة من (51) عضواَ بما فيهم رئيس اللجنة حسين عبد الله المقدمي، وقد اشتمل القرار على سبعة بنود، وهي -كما يتضح- قضايا كان الإسلاميون يناضلون من أجلها طويلاً، بل سنلاحظ أن الميثاق ذاته يرتكز في بلورة رؤاه المستقبلية إلى خمس حقائق هامة، يستمدها من فصول التاريخ والتجارب السابقة والمقارنة مع الواقع وهي:

 

1- الاستقرار والأمن والسلام هي أسس البناء الحضاري، ولا يمكن أن تتهيأ إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية التي تقود إلى وحدة الأرض والشعب والحكم.

2- أن العقيدة الإسلامية هي ضمير الشعب اليمني الذي لا تزعزعه الأحداث الدامية ويستحيل بدونها الاندفاع للأمام.

3- أن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وأن القوة والدجل والخديعة قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله.

4- لا يمكن تحقيق الوحدة والتطور والتقدم بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

5- رفض كل أشكال الاستغلال والظلم مهما كانت أصولها ومصادرها (1).

يقول د. رضوان الشيباني في كتابه "الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي": "لقد ساهم الإسلاميون بفعالية في قيام "المؤتمر الشعبي العام" وصياغة دليله النظري المتمثل في "الميثاق الوطني"، الذي كان ثمرة عامين من الحوار بين كل التيارات الفكرية والسياسية على الساحة اليمنية، وأصبح المؤتمر الصيغة التوافقية للعمل السياسي الجديد، حيث تولى الإسلاميون مناصب مرموقة في الحكومات المتعاقبة" (2).

وبالنظر لتلك الجهود السابقة، يتضح أن هذه القوالب والأفكار والرؤى كان جزء منها يمثل حصيلة نضال الحركة الإسلامية الطويل، والتي حرصت على أن لا تذهب جهود الأحرار والثوار ونضال الشعب نحو تكرار تجارب فاشلة معاكسة لتوجه وهوية الشعب اليمني الذي يؤمن بالإسلام وتنبثق رؤاه وأفكاره من الشريعة الإسلامية السمحة، وأن أي تطور أو تقدم أو سير نحو الدولة يجب أن لا يتجاوز هذه الحقيقة أو سنكرر تجارب كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي، وربما أن النتائج التي أفضت إليها بعض المراحل التاريخية في جنوبي البلاد كان لها تأُثيرا كبيرا في هذا التصلب في المحافظة على هوية الشعب اليمني.

 

المرونة الفكرية والسياسية

يمكن القول بأن المرونة الفكرية والسياسية واحدة من أبرز خطوط الحركة الإسلامية، بل إن خريطة أفكار الحركة الإسلامية اليمنية اتسمت بهذه الصفة، ومن الواضح أن ذلك جاء نتيجة عدد من العوامل، منها ما هو متصل بطبيعة فكر المدرسة نفسها، ومنها ما هو متصل بطبيعة التطورات السياسية والفكرية المتلاحقة في اليمن، وكذلك ما له علاقة بطبيعة البيئة اليمنية التي تعيش فيها الحركة وتتفاعل معها، وكل تلك العوامل أدت إلى مرونة الإطار الفكري للحركة الإسلامية اليمنية.

فالحركة ترفض العمل المسلح أو تغيير النظام أو إحداث أي تغيير بالقوة والعنف، فهي تعتمد النصح والتوجيه والمشاركة الفاعلة والتربية كأساس متين تنبثق منه تحركاتها، وهي ترى أيضاً بأن اللين والصبر والتربية تؤتي ثمارا يانعة وإن كانت قليلة أفضل بكثير من مسارات العنف التي تفتح الباب واسعاً على الفساد والحروب.

وبشكل عام، فإن الحركة انطلقت من منطلقات فكرية واضحة في تعاملها مع السلطة، وفي القلب منها الاعتقاد بأن المجتمع اليمني مجتمع مسلم، وأن العلاقة بينها وبين الشعب اليمني، وبين القوى السياسية المختلفة بما فيها النظام، هي علاقة نصح وإرشاد وليست علاقة تكفير أو تخوين.

 

الوحدة الشعورية بين الشمال والجنوب

وبعد قيام الحركة الإسلامية كتنظيم سياسي وفكري واضح الملامح بعد ثورة سبتمبر 1962م (التأسيس والجذور للحركة تعود إلى أربعينيات القرن الماضي)، أنشئت فروع للحركة بعد الثورة في الشمال والجنوب والوسط، من صنعاء إلى عدن وتعز، وهي الثلاث المناطق التي ستنشط فيها الحركة الإسلامية بشكل كبير، وسيساهم هذا التواجد الفكري الجديد في التوافق على رؤى كثيرة من حتمية واستمرار النضال ضد المستعمر في الجنوب، مع دعم النظام الجمهوري ورفض المشروع الإمامي في الشمال، ومع الحفاظ على هوية الشعب اليمني، وهذا أساس مشترك بين الجميع.

وقد مثل قيام الوحدة اليمنية التحاما شعوريا تم انتظاره مدة طويلة، حيث ستجعل من هذا الموقف هدفا أساسيا تذلل أمامه كل الصعاب منذ فترة طويلة، وستشارك مع باقي التيارات الفكرية والسياسية، حتى إنجاحه في فجر 22 مايو/أيار 1990م.

 

هامش

1-     مقال تحت عنوان "فكرة الميثاق الوطني وصياغته"، لقمان العثربي.

2-     الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي، صـ 175.