الأحد 28-04-2024 15:42:45 م : 19 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية.. قراءة في المكاسب والخسائر لعسكرة البحر الأحمر

الأحد 24 ديسمبر-كانون الأول 2023 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

يشهد البحر الأحمر توترًا متزايدًا، على إثر العمليات العسكرية التي تقوم بها مليشيا الحوثي لاستهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل (فلسطين المحتلة) نتيجة التداعيات الخاصة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات وعمليات إبادة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.

في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، أعلنت مليشيا الحوثي سيطرتها على سفينة تجارية مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي تدعى "غالاكسي ليدر"، لتتوالى بعدها الإعلانات الحوثية لاستهداف واحتجاز عدد من السفن في البحر الأحمر، بينها سفينة نرويجية وأخرى يابانية كانت في طريقها إلى إسرائيل.

أدى التصعيد الحوثي إلى تصعيد مماثل، قامت به واشنطن من خلال إعلانها إنشاء تحالف جديد لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر تحت مسمى "حماية الازدهار" وهي عبارة عن قوة عسكرية متعددة الجنسيات تم تشكيلها لحماية التجارة الدولية في البحر الأحمر، ردا على التهديدات الحوثية المستمرة باستهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، ويضم هذا التحالف الذي تقوده أمريكا، كلا من بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا.

وبين التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، والتصعيد المماثل من قبل واشنطن وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي أعلنت انضمامها إلى القوة الدولية التي تم تشكيلها لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بات السؤال المطروح ما هي المكاسب والخسائر التي لحقت بإسرائيل جراء الهجمات الحوثية، وما هي التداعيات الناجمة عن الهجمات الحوثية والعسكرة الدولية للبحر الأحمر؟

 

التبادل التجاري مع إسرائيل

بين التهوين والتهويل لما تقوم به مليشيا الحوثي في البحر الأحمر، تؤكد التقارير الاقتصادية أن تبادل إسرائيل التجاري يتركز بشكل أكبر مع دول أوروبا وأمريكا، وبدرجة أقل مع بعض الدول الأفريقية، الأمر الذي جعل خبراء يقللون من أي تأثيرات للهجمات الحوثية على إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر، مؤكدين أن ذلك ليس له أي أثر يذكر على سير ومجريات الحرب في غزة.

وحسب الباحث والسياسي اليمني عبد الناصر المودع، فإن إسرائيل تستخدم البحر الأحمر في تجارتها مع آسيا، وشرق وجنوب شرق أفريقيا وأستراليا، وحجم التجارة الإسرائيلية مع هذه المناطق أقل بكثير من تجارتها مع بقية العالم وتحديدا أوروبا وقارات أمريكا.

وبيّن المودع أن حجم الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب لا تتجاوز نسبة 12% من حجم التجارة الدولية، وأكثر الأطراف المستفيدة منها هي أوروبا، وآسيا، أما أمريكا فإن تجارتها مع آسيا أو الشرق الأوسط فإن معظمها يمر عبر الرجاء الصالح وليس عبر البحر الأحمر.

ونوه في هذا السياق إلى أن السفن التي تمر عبر البحر الأحمر من وإلى إسرائيل، يمكنها تغيير سيرها والذهاب عبر الرجاء الصالح، وهذا سيضيف فترة 3 أسابيع لزمن الرحلات، ويضيف نسبة بسيطة على تكلفة التجارة من وإلى إسرائيل، وبما لا يزيد عن 100 مليون دولار في الشهر. وهذا المبلغ يعتبر بسيطا لدولة في حالة حرب كبرى تكلفتها المباشرة وغير المباشرة قد تزيد عن 10 مليارات دولار، حسب تعبيره.

 

إغلاق باب المندب

بين كل فترة وأخرى يهدد الحوثي بإغلاق باب المندب، حتى يتم وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، رغم تأكيدات مختصين أن إغلاق باب المندب في وجه السفن المتجهة إلى إسرائيل لن يلحق أي أضرار اقتصادية بإسرائيل، ولم يسجل حتى أي أرقام كخسائر عليها، نتيجة عدم الاعتماد عليه كممر أساسي للتبادل التجاري بينها وبين أمريكا وأوروبا التي تعتمد في صادراتها ووارداتها عليها.

وعلى العكس من ذلك، كشفت قناة الجزيرة نقلا عن قناة "12" العبرية، عن حجم الضرر الذي ألحقته هجمات مليشيا الحوثي على مصالح الاحتلال في البحر الأحمر بميناء "إيلات" الإسرائيلي، مشيرة إلى أن نشاط ميناء "إيلات" تراجع بنسبة 85% منذ بداية الهجمات الحوثية في البحر الأحمر.

وحسب القناة، فقد تسببت هجمات الحوثي على السفن المرتبطة بالاحتلال أو المتجهة نحو الموانئ الإسرائيلية في البحر الأحمر بشلل ميناء إيلات، بعدما علقت كبريات شركات الشحن البحري حول العالم عبورها من باب المندب، فيما أقر ميناء أسدود الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، أن الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي على السفن التجارية تمثل تهديدا إستراتيجيا لطرق الشحن العالمية، وحركة النقل البحري إلى إسرائيل رغم عدم وجود تأثير مباشر لها على نشاط الموانئ الإسرائيلية.

يأتي هذا في الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل على حركة الملاحة البحرية في وارداتها وصادراتها. وميناء أسدود في الجنوب وحيفا في الشمال هما أكبر ميناءين في إسرائيل (فلسطين المحتلة)، في حين يظل ميناء عسقلان الأصغر والأقرب إلى غزة مغلقا منذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) في السابع من أكتوبر الماضي.

 

من المستفيد؟

مع تزايد التوتر في البحر الأحمر جراء استهداف الحوثي للسفن المتجهة إلى إسرائيل، يبقى السؤال من المستفيد من هذه العمليات، والتداعيات التي أفرزها التصعيد الحوثي، سواء على مستوى الإقليمي أو الدولي، فضلا عن التأثيرات لذلك في وقف العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة.

وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن الخاسر الأكبر من التوتر في البحر الأحمر هي مصر وتحديدا قناة السويس، حيث أكد رئيس قناة السويس، الأحد الماضي، تحويل 55 سفينة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، منذ الـ19 من نوفمبر الماضي، منذ تصاعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وقال رئيس قناة السويس الفريق أسامة عسكر، في بيان نشره موقع هيئة قناة السويس على الإنترنت، إنه "جرى تحويل 55 سفينة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، خلال الفترة من 19 نوفمبر الماضي، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة خلال تلك الفترة".

ولا شك أن تحويل السفن إلى الرجاء الصالح سيكون المتضرر الأول منه مصر، لأنه يحرمها من رسوم العبور في قناة السويس. وعلى افتراض أن ربع السفن التي كانت تمر عبر القناة غيرت طريقها، فهذا يعني أن خسارة مصر قد تصل إلى 200 مليون دولار شهريا، وفقا لتقديرات اقتصادية.

ويرى اقتصاديون أن أمريكا غير متضررة من إعاقة حركة الملاحة في البحر الأحمر، وأن المتضرر الأكبر هي الدول الأوروبية والصين والهند ومصر والدول المصدرة للنفط والغاز (دول الخليج وإيران)، لكن المخاطر على الكيان الصهيوني تكمن في حال استمرار المخاطر في مضيق باب المندب، وتعرض التجارة البحرية والسفن الإسرائيلية لمخاطر الاحتجاز، حيث سيكون البديل هو النقل الجوي أو البري، وهو ما يعني ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، وهو ما سينعكس سلبا على تجارة إسرائيل الخارجية.

كما أن تجارة اليمن عبر موانئ البحر الأحمر، ستكون الخاسر الأكبر من الهجمات الحوثية، لأن رسوم التأمين على السفن الداخلة لهذه الموانئ ستتضاعف، إضافة إلى أن الكثير من شركات الملاحة ستمتنع عن الذهاب إلى تلك الموانئ، خوفا من الهجمات، أو عقابا للحوثيين على هجماتهم. ونتيجة ذلك ارتفاع أسعار السلع على اليمنيين، وفقا لمراقبين.

 

عسكرة البحر الأحمر

منذ إعلان الحوثي احتجاز أول سفينة في البحر الأحمر كانت في طريقها إلى إسرائيل في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، وما تلاها من اندفاعة لاستهداف الملاحة الدولية في باب المندب، لم يظهر أي تأثير مباشر على إسرائيل دفعها لوقف العدوان على غزة.

ويكمن الأمر الوحيد الذي انعكس على استهداف الحوثي للملاحة الدولية هي في عسكرة باب المندب، والمنطقة، وجلب القوى العالمية الكبرى للتمركز قرب المياه اليمنية، تحت غطاء حماية التجارة في البحر الأحمر، التي تهدف بشكل أساسي لحماية إسرائيل وعسكرة البحر الأحمر، والآثار السلبية على أمن الملاحة الدولية.

وفي هذا الصدد، وجهت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، السبت الماضي، بتحريك حاملة الطائرات "أيزنهاور" من قاعدتها في البحرين إلى خليج عدن، وتمديد عمل حاملة الطائرات فورد للمرة الثالثة في شرق المتوسط.

وحسب وسائل إعلام غربية، فإنه كان من المقرر بقاء حاملة الطائرات "أيزنهاور" في قاعدة الأسطول الخامس في البحرين، إلا أنه جرى تحريكها منذ أيام نحو مياه خليج عدن، وذلك في سياق التحرك الأمريكي لعسكرة البحر الأحمر، لمواجهة ما تعتبره التهديدات الحوثية للملاحة الدولية في باب المندب.

الخلاصة أن هجمات الحوثيين لن تؤثر على سير الخطط الإسرائيلية في هجماتها على غزة بأي شكل من الأشكال، فيما اليمنيون هم الخاسر الأكبر، لأن رسوم التأمين على السفن الداخلة لهذه الموانئ ستتضاعف، إضافة إلى أن كثيرا من شركات الملاحة ستمتنع عن الذهاب إلى تلك الموانئ، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين. أضف إلى ذلك فإن الشعب المصري سيعاني هو الآخر من تبعات العمليات الحوثية في البحر الأحمر وسيتحمل جزء كبير من فاتورة تلك المشاغبات الحوثية التي لا تخدم سوى أعداء الأمة العربية والإسلامية

كلمات دالّة

#اليمن