الجمعة 19-04-2024 11:02:06 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حصار الحوثيين لتعز.. جريمة حرب منسية لدى المجتمع الدولي

الإثنين 14 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / أسماء محمد

 

عاشت تعز طوال سنوات الحرب الماضية في ظل حصار بدأ كليا ذاق معه أبناء المحافظة مختلف أنواع العذاب، وانتهى بشكل جزئي، لكن ظلت معه معاناة المواطنين متفاقمة جراء تداعياته المستمرة حتى اليوم.

منذ العام 2015 وحتى اليوم، احتفظت مليشيات الحوثي بورقة الحصار واستمرت بفرضه على أبناء تعز، وضيقت عليهم الخناق أكثر باستهدافها للمدنيين من وقت لآخر بالقذائف التي تطال منازلهم.

جريمة حرب

لطالما طال صمت المجتمع الدولي إزاء ما تعرض له المدنيون في تعز جراء حصار الحوثيين لمحافظتهم. لكن تقرير فريق الخبراء الدوليين الأخير التابع لمجلس حقوق الإنسان تحدث عن تلك المأساة التي عاشها قرابة أربعة ملايين مواطن عانوا منها كثيرا، وذكر أن القانون الإنساني الدولي يحظر التجويع كأسلوب للحرب، وهو جريمة حرب في النزاعات غير الدولية التي قد تؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية.

وقد أكد التقرير أن الحصار أثر بشكل كبير على تعز، حيث تسبب في انعدام السلع والمياه، وندرة الأدوية وانعدام الخدمات الصحية، فضلا عن إيقاف المواطنين في نقاط التفتيش لعدة ساعات، واعتقال بعضهم، وتعريضهم للتفتيش دون مبرر بما في ذلك المواد الغذائية.

لم يغفل فريق الخبراء في تقريره معبر الدحي الذي يتم توقيف المواطنين فيه، وإجبارهم على المشي سيرا على الأقدام لمسافة تتراوح من 400 متر إلى أكثر من كيلومتر واحد، وهو ما سبب مشقة كبيرة خاصة لذوي الإعاقة والمسنين.

وخلص فريق الخبراء إلى أن الأدلة التي جمعها تشير إلى أن "مقاتلي الحوثي قد استخدموا الحصار كشكل من أشكال العقاب الجماعي على السكان المدنيين المقيمين داخل تعز، لدعمهم المتصوَّر للمقاومة الشعبية والمجموعات المنتسبة للحكومة".

وبحسب التقرير، فإن الحصار ليس الأسلوب الوحيد الذي استخدمه الحوثيون لإخضاع تعز واستعادة السيطرة عليها، حيث فرضت المليشيات قيوداً على العمل الإنساني والإغاثي، ومحاولة الاستيلاء على المساعدات الإنسانية كذلك.

من الذاكرة

يتذكر الكثير من أبناء تعز معاناتهم خلال الأسابيع الأولى من الحصار الكلي الذي عاشته المحافظة، بينهم محمد أحمد دبوان الذي قال إنه عاش وأسرته في تلك الفترة في قلق كبير جراء ذلك.

وذكر أنه حين انعدمت مياه الشرب، كان قد قام بتخزين القليل من الماء، لكنه لم يكفِه إلا لأسبوع، واضطر لشرب مياه مالحة كان يقوم بمحاولة التخفيف من ضررها بغليانها، مؤكدا توقفه عن ذلك لاحقا بسبب انعدام الغاز.

وتابع: "حين أتذكر أنا وأسرتي ما كنا نعانيه والخوف الذي عشناه خاصة أن الحرب كانت في أوجها، لا أصدق أننا صمدنا حتى اليوم"، مستدركا بذهول: "لقد عشنا حصارا حقيقيا".

بدوره، رحب فريق نساء تعز من أجل الحياة بذلك التقرير، وقالت عضو الفريق ألفت الدبعي -في تصريحات صحفية- إنه كان من المفترض أن يدين استمرار الحصار، ويطالب بشكل صريح وواضح بضرورة وسرعة فتح الطرق الرئيسية وإنهاء معاناة المدنيين.

محاولا فك الحصار

طوال أكثر من أربع سنوات كانت هناك دعوات كثيرة ومبادرات من أجل فك حصار تعز، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، إلا أن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية تمكنا من كسره في 2016.

تجددت خلال هذه المدة الدعوات وبشدة لفك الحصار، وقد تحدث رئيس لجنة التفاوض الحكومي لفتح المعابر في تعز المنبثقة عن اتفاق السويد البرلماني عبد الكريم شيبان، في تصريحات صحفية، بأن وزير الأشغال في حكومة جماعة الحوثي غالب مطلق اتصل به وطرح عليه فتح المنفذ الواصل من شرق مدينة تعز – سوفتيل – محطة الجهيم شارع الأربعين – إلى حي زيد الموشكي، وهو آخر مربع تسيطر عليه الحكومة من شرق المدينة.

وأوضح شيبان أن الحكومة ترحب بأي مبادرة من أي طرف لفتح المعابر، مشيرا إلى تقديمهم مقترحا لفتح ثلاثة منافذ: الأول، منفذ سوفتيل – جولة القصر – إلى حي صالة ثم إلى حي الجحملية، باعتباره طريقاً رئيسياً وواسعاً، لمرور السيارات فيه أسهل، بدلاً عن طريق سوفتيل – حي زيد الموشكي. ويكون المنفذ الثاني في نفس اتجاه شرق مدينة تعز طريق سوفتيل – جولة القصر – عقبة ملك، وصولاً إلى حوض الأشراف.

والمنفذ الثالث، حسب شيبان، اقترح أن يكون مخصصاً بدرجه أساسية لدخول شاحنات البضائع الكبيرة، وهو من مفرق الذكرة شرق المدينة، مروراً بشارع الستين شمال المدينة إلى مفرق شرعب، وصولاً إلى حي المطار القديم.

لكن تلك المبادرة حتى الآن لم يتم التأكد مما إذا كان الحوثيون سيلتزمون بها، وستنكشف جديتهم من عدمها خلال الأيام القادمة. إلا أن مصدرا حكوميا كشف لـ"القدس العربي" عن وجود محادثات غير مباشرة بين الوجهاء الاجتماعيين من الطرفين، أثمرت عن موافقة الحوثيين على رفع جزئي للحصار عبر فتح الطريق الشرقي، الذي يربط تعز بمحافظات إب وعدن وذمار وصنعاء ومحافظات أخرى مجاورة.

أما الجانب الحكومي فأبدى حسن نيته، وبادرت قيادة الجيش الوطني والسلطة المحلية بفتح المنفذين الشرقي والغربي للمدينة، بانتظار فتحها كذلك من طرف مليشيات الحوثي.

لم تنتهِ المعاناة

برغم كسر الحصار جزئيا وبالقوة عام 2016، إلا أن معاناة المواطنين ظلت مستمرة، فأميرة النصاري تقول إنها تعيش في وضع غير مستقر مع أسرتها، فهي تعيش داخل المدينة وزوجها في الحوبان يعمل في إحدى شركات هائل سعيد أنعم.

أدى ذلك الوضع إلى غياب زوجها عنها وأولادها لأشهر، ويأتي -كما تفيد- كل شهرين أو أقل بقليل يقضي معهم يومين ثم يعود إلى الحوبان مجددا، ويستغرق ما لا يقل عن ست ساعات ليصل إلى المدينة، برغم أن الوقت قبل الحرب لم يكن يتجاوز 15 دقيقة.

وهي تتمنى أن ينتهي الحصار، وتعيش مع زوجها بشكل طبيعي، حتى تخف أعباؤهم المالية قليلا، فهو يحتاج إلى مبلغ كبير كل شهر ثمن الأكل خارج المنزل وسكنه في غرفة يدفع إيجارها فضلا عن مصاريفها وأولادها في المدينة، وعدم قدرتهم على استئجار منزل في الحوبان بسبب الإيجارات المرتفعة.

صعوبات

يواجه السكان كثيرا من الصعوبات بسبب حصار الحوثيين المستمر من المنفذ الشمالي والشرقي، فيستغرقون ساعات عديدة ليصلوا إلى الحوبان أو قراهم أو باقي المحافظات اليمنية، فهم يمرون عبر طرق فرعية غير مُعبدة ووعرة، وغالبا يمكن فقط لسيارة واحدة المرور خلالها، ويضطر كثير من السائقين للعودة إلى الوراء مسافات طويلة إذا ما اعترضتهم سيارة أخرى، فضلا عن الأمطار التي تؤدي من حين لآخر إلى غرق بعض المسافرين أثناء عبورهم السائلة قرب هيجة العبد.

كما أدى الحصار إلى ارتفاع الأسعار بسبب تكلفة نقل البضائع، فضلا عن تأثر الفواكه والخضروات بشكل سلبي لطول الطريق أثناء نقلها فتصل غير طازجة، ويتجنب كثير من التجار إدخال بعض السلع كالزجاج لأن كميات كبيرة منها تتحطم قبل وصولها.

ومع توالي الأنباء من هنا وهناك بشأن فتح منافذ جديدة للمدنيين، شكل ذلك أملا جديدا لمواطنين ذاقوا ويلات الحصار طوال أكثر من أربع سنوات، في الوقت ذاته هناك بعض المخاوف من ذلك الإجراء، فقد اتخذت مليشيات الحوثي الحصار كورقة بيدها للضغط للحصول على مكاسب، يعزز ذلك أنها بادرت بعرض إنهائه على الجانب الحكومي بالتزامن مع الحديث عن مبادرة أخرى عرضتها على السعودية.

كلمات دالّة

#اليمن