السبت 20-04-2024 10:10:43 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز.. حاضنة ثورة 14 أكتوبر.. بين تجاهل دورها والنزعة الانتقامية (تساؤلات تبحث عن إجابة)

الإثنين 14 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت- خاص- عبد العزيز العسالي

  

يتفق السياسيون والمفكرون والأدباء والكتاب والعسكريون أن قيام ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، وإعلان دولة الجمهورية العربية اليمنية، أحدثت متغيرات في موازين القوى على مستوى الجزيرة العربية سياسيا وفكريا وثقافيا بل وعسكريا.

انعكست هذه المتغيرات إيجابيا لصالح حركة التحرر الوطني في الجنوب اليمني.

الزعيم عبد الله السلال، رحمه الله، أصدر قرارا بتعيين نائب له لشؤون الجنوب.

فتحت الجمهورية الفتية قلبها وذراعيها للثوار القادمين من الجنوب، فاتجهوا للقتال في المناطق الشمالية مطاردين فلول الملكية.

واحتضنت صنعاء لقاءات ومؤتمرات لقيادة حركة التحرر الجنوبية.

اختيار الحاضن الأفضل:

تم اختيار مدينة تعز أن تكون الحاضن الأمين والأفضل والأقوى؛ كونها الأقرب جغرافيا أولا.. ونظرا لاعتبارات ثقافية وسياسية واجتماعية.

وفي السطور التالية نماذج قليلة في غاية القوة والوضوح شاهدة على الدور الوطني الجبار الذي قدمته محافظة تعز تجاه ثورة 14 أكتوبر.

لا أريد في هذا المقام توجيه العتب إلى الكتاب الذين أرّخوا للحركة الوطنية اليمنية عموما، وحركة تحرير الجنوب خصوصا؛ كونهم أغفلوا الموقف الوطني والدور التاريخي لتعز تجاه تحرير الجنوب اليمني، وإنما اكتفوا بكليمات قليلة أقلها جملة، وأكثرها ست كلمات.. كل كلمتين في صفحات متباعدة.

نعم ليس المقام مقام عتب..
ولكن من حق أي يمني أن يتساءل: هل إغفال دور تعز كان مقصودا؟ ولم؟ هل هو تناسٍ أم نسيان؟ هل كانت أذهان الكتاب رازحة تحت وطأة الأيديولوجيات؟

هل من تفسير للنزوع الانتقامي الذي ملأ الدنيا لغطا؟ لم هذا النزوع الموغل في الحقد المكرس للكراهية وصولا إلى قتل الأبرياء من أبناء تعز، ومصادرة متلكاتهم؛ كونهم يقيمون في عدن وما جاورها؟

حملات التحريض الإعلامي التي تحمل سيولا من اللغة الهابطة والرامية إلى تمزق النسيج المجتمعي في اليمن عموما وبين تعز وعدن خصوصا، هل هذا النزوع الانتقامي الحاقد وحملات التحريض ضد تعز قادمان من بؤرة تجاهل المؤرخين لدور تعز؟

أم أن النزوع الانتقامي والتحريضي الخسيس ضد تعز والذي طفحت عفونته منذ عقد من الزمن، هل جاء عرضيا دون أي مقدمات؟
أم أن هذه النزعة الانتقامية والتحريض شكل من أشكال التكريم الحديث حداثة الأبراج الزجاجية؟

عقلاء كثر.. قالوا: هذا النزوع الانتقامي والتحريض الرخيص ضد تعز كفيل بتحريك المياه الراكدة والذي بدوره سيؤدي إلى إبراز دور تعز انطلاقا من البيت الشعري السائر:

إذا أراد الله نشر فضيلةٍ طويت
قيض لها لسان حسودِ

هل نكتفي بتعليل هؤلاء العقلاء؟ إن النزوع الانتقامي الحاقد والحملات التحريضية التافهة وصلت إلى حد القتل والمصادرة والاعتقال والتعذيب بأنواعه.

نعم.. إن إبراز دور تعز جزء من الاعتراف بالحقيقة وإنصافا للتاريخ وتعزيز وتمتين ثقة الأجيال القادمة بأسلافهم.. لكن هذا شيء والتساؤل المشروع عن النزوع الانتقامي شيء آخر.

إن تعز وقفت بمسؤولية إزاء هذه النزعة الحاقدة ابتداء من عام 2007، وبادرت طوال عقد كامل قبل 11 فبراير وبعدها بمطالبة السلطات بإنصاف أبناء المناطق الجنوبية.

تعز القيم.. بعد انقلاب مليشيات الحوثي:

تعز أعلنت موقفها الوطني والمسؤول تجاه أبناء الوطن اليمني الواحد ليس في ستينيات القرن الماضي فحسب، وإنما تجلى موقفها الوطني في أعلى وأزهى صور الوطنية لأبناء تعز، وذلك مظاهرة غير مسبوقة في11 أكتوبر 2014، وتلتها عدة مظاهرات أخرى سقط فيها جرحى وشهداء برصاص الجيش والأمن المتملشن.. كان الهدف الوحيد لهذه المظاهرات والتضحيات هو الحيلولة دون اقتحام محافظتي لحج وعدن من قبل مليشيات الانقلاب الحوثي.. رافضين صدور أي إيذاء لمدينة لحج وعدن يأتي من جهة تعز.

باختصار، سنستعرض فيما يلي شواهد قليلة من مواقف تعز الوطنية والأخوية تجاه ثورة 14 أكتوبر الرامية إلى تحرير مدينة عدن خصوصا، والريف في الجنوب عموما.

هذه النقاط توصلنا إليها بجهود مضنية بحثا وتشذيبا وتصحيحا وإعادة صياغة أغلب مفرداتها فنقول: تعز هي الشريان الدافق في جسد ثورة 14 أكتوبر.

عام 1963، شاءت الأقدار أن تكون تعز هي الشريان الدافق لثورة 14 أكتوبر.

لقد مثَّل هذا الشريان المصدر الأبرز والأقوى في إمداد ثورة تحرير الجنوب.

يقول آخر: كانت تعز القاعدة الخلفية لثورة 14 أكتوبر الخالدة.

تعز بجغرافيتها الممتدة والأقرب إلى عدن ولحج؛ ذلك أن أبناء تعز كان لهم حضورا لافتا في الوسط التعليمي والثقافي، والذي ولد فيهم الطموحات والتطلعات، فقد كانوا بحق حملة مشاعل الوعي الثقافي والحركي والحضاري المنشود.

إضافات تعز:

أضافت تعز مع بداية العام 1963 إلى سماتها الإيجابية الآنفة سمات أخرى.. فهي أولا قد شهدت انتعاشاً اقتصادياً واجتماعياً أكبر من ذي قبل.

وتعز ثانيا تعددت فيها التوجهات وتعايشت التيارات السياسية والفكرية والأيديولوجية المختلفة -القومي ببعديه الناصري والبعثي، اشتراكية علمية، وتيارات إسلامية.

وتعز ثالثا، أصبحت مدرسة وطنية لتربية وتدريب وتخريج كوادر وأفراد جيش التحرير والفدائيين لمنازلة قوات الاحتلال البريطاني في عدن والمناطق الجنوبية الأخرى.

تعز القلب الحاضن:

حسب أ.د سلطان عبد العزيز المعمري، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة تعز، ووفقاً لدراساته البحثية وبتصرف كبير يقول د. سلطان: شهدت تعز افتتاح عدد من معسكرات الإعداد والتدريب لأبناء مختلف مناطق الجنوب اليمني المحتل، والتي بدأت عملياً بصورة منظمة وهادفة منذ أوائل عام 1964، حيث كانت تستقبل المتطوعين وبشكل متتالٍ جماعات ودُفَع للالتحاق بصفوف جيش التحرير والقطاع الفدائي الذي ينفذ عملياته الشجاعة في مدينة عدن.

- جميع أفراد تلك الدُّفع كانت تختارهم الجبهة القومية في عدن.. وترسلهم إلى قيادات مكتب الجبهة في تعز والذي يتولى بدوره استقبالهم وتسليمهم إلى معسكرات التدريب، والتي تم إعدادها مبكرا بالتنسيق مع قيادات الأجهزة الأمنية الشمالية في تعز.

المكتب الرئيسي في تعز:

- كانت الجبهة القومية آنذاك برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي والذي افتتح مكتبه الرئيسي في تعز في 3 يونيو عام 1964م، وقد تفرع عنه عدة مكاتب توزعت مهام العمل اليومي والإستراتيجي وهي:

مكتب الأمانة العامة.
المكتب العسكري.
المكتب المالي.
مكتب العمل الجماهري.
مكتب التنظيم الشعبي.

- توافد إلى تعز عناصر من قيادة فرع حركة القوميين العرب في اليمن لتنظيم وقيادة الأنشطة المختلفة للجبهة القومية في مدينة تعز.

تعز أصبحت من يومها قاعدة متقدمة ورئيسية للإعداد والإمداد البشري والعتاد العسكري نصرة لثورة 14 أكتوبر، والتي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء عام 1963.

- أمين عام الجبهة القومية حينها قحطان محمد الشعبي.. الذي حضر إلى تعز لافتتاح المكتب الرئيسي للجبهة في 3 يونيو 1964.

- حضر معه كثيرون من القيادات ومنهم:
سالم زين محمد، ومحمد علي الصماتي، ونجيب مليط، وناصر السقاف، كما وصلت عناصر قيادية أخرى إلى تعز ومنهم: علي أحمد ناصر السلامي، طه أحمد مقبل، ووصل محمد علي هثيم، عبد الباري قاسم، أبو بكر شفيق، سالم ربيع علي، رعلي ناصر محمد.. ووصل أيضا: محمد سعيد مصعبين، ناصر صدح، علي محمد سالم الشعبي وآخرون غيرهم.. في هذا السياق لا مجال لذكرهم.

معسكر صالة:

- باشرت مكاتب الجبهة القومية في تعز أعمالها مستقبلة العديد من المجموعات القادمة لتلقي التدريب في معسكرات صالة، ثم العودة إلى مناطق المواجهة في الريف والعمل الفدائي في مدينة عدن.
بلغ قوام الدفعة الأولى 40 فرداً، والدفعة الثانية قوامها 19 فردا، مذكورون بالاسم ولا مجال لإيراد أسمائهم واستمرت الدفعات.

- هذا الإعداد والتجهيز لم ينحصر في مجال إعداد القيادات ومقاتلي جيش التحرير والعمل الفدائي خلال سنوات النضال ضد الاحتلال البريطاني فقط، وإنما رافقه العمل السياسي والتنظيمي والجماهيري الشعبي.

كانت ثمرة هذا الإعداد الثنائي هي تمكين مقاتلي الجبهة خلال الفترة 20 مايو إلى 2 أكتوبر 1967 من إسقاط نظام الاحتلال في كريتر، والأنظمة السلاطينية الإقطاعية البالغة 16 سلطنة؛ علما بأنه قد سبق قبل هذا التاريخ فتح جبهات عدة طوال سنوات النضال.

التدريب على السلاح:

- ظلت تعز تستقبل الأعداد البشرية للتدريب على مختلف الأسلحة والعودة إلى مناطقهم وجبهاتهم القتالية.

التبرعات:

تعز تجمع التبرعات لصالح ثورة 14 أكتوبر وهي حقائق ووقائع في تفاصيل طويلة يصعب إيرادها في هذا المقام.

يقول أ.د سلطان المعمري: إنني أثبت الحقائق هنا اليوم ليس كمؤرخ أو باحث أكاديمي فحسب، وإنما أيضاً كشاهد عيان، ومشارك في بعضها كطالب حينها بمدارس تعز.. لقد شهدتُ أيضاً عقد أكثر من لقاء ومؤتمر تنظيمي لقيادة ثورة 14 أكتوبر أهمها:

- لقاء شباب الجبهة القومية المنتمين لحركة القوميين العرب في يونيو عام 1965، والذي حضره شخصيات كبيرة وكثيرة منهم فيصل عبد اللطيف، وسالم ربيع علي، وحيدر العطاس.. وغيرهم الكثير.

- انعقاد المؤتمر العام الأول للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل خلال الفترة من 22 - 25 يونيو عام 1965م بمكتب الجبهة الواقع يومها بحارة المستشفى الجمهوري - تعز شارك فيه: قحطان محمد الشعبي، عبد الفتاح إسماعيل، سالم زين محمد، فيصل عبد اللطيف، وعدد كبير من القيادات البارزة مثل العطاس، وعلي عنتر، وعشيش وصالح مصلح.. فضلا عن الشباب.

شحن الإمدادات:

تعز قلعة الإمداد الرئيسية، حيث كان يتم إرسال كل شحنات ودفع الأسلحة بكل أنواعها وكمياتها المختلفة إلى كل جبهات الثوار ضد الاحتلال نذكر بعضها:

- أول شحنة للأسلحة ترسل إلى جبهة ردفان في 9 يونيو عام 1964م أدخلت براً على ظهور حوالي 127 جملاً وحماراً.

- ثاني شحنة في نوفمبر من العام نفسه أيضاً تم إدخال دفعة من الأسلحة براً إلى جبهة ردفان.. ثم توالت الإمدادات.

الرئيس علي ناصر يشهد شهادة دالة على الدور الهام لتعز في إعداد مقاتلي جيش التحرير والقطاع الفدائي.. ما جاء في كلمة الرئيس علي ناصر محمد الموجهة إلى مركز تريم للعمارة والتراث المنعقد يوم 13 أكتوبر 2010، والمكرس للذكرى الأربعينية لوفاة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، قائلا: جسد عبد الناصر دعم ثورة الـ14 من أكتوبر قولا وعملا وذلك بفتح جبهة تدريب في تعز، وكان لي شرف الالتحاق بهذه الدورات في تعز.

دفعة عدن:

تعز ترسل أول دفعة أسلحة في بداية عام 1964م، وفي يوليو من نفس العام تسلم المكتب العسكري للجبهة القومية الدفعة الثانية بينهم فدائيون لكن للأسف فالمؤرخون لم ينصفوا أحدا ومنهم الفقيد أحمد علي بن عمرالملقب «كاسترو».

تعز وبُناة الدولة:

الواقع المشاهد والتاريخ القريب يؤكد أن حقيقة الدور الكبير والإسهام الفاعل لتعز وأبنائها في دعم انتصار ثورة أكتوبر التحررية 1963 - 1967، وصولا إلى بناء وقيادة دولة الاستقلال الوطني في الشطر الجنوبي سابقا.. ومنهم الزعيم ابن تعز الشهيد عبد الفتاح إسماعيل، محمد سعيد عبد الله الشرجبي، «محسن»، الفقيد عبد العزيز عبد الولي. الفقيد سلطان القدسي، د.عبد العزيز الدالي، سلطان الصريمي، الشهيد القائد النقابي والسياسي عبد الله عبد المجيد الكليبي، «السلفي»، الفقيد عبد الغني شمسان المعمري، الفقيد محسن عبده علوان الجرادي، محمد عبده علوان المعمري، الشهيد «عبود».. وغيرهم العشرات بل المئات من المناضلين من كل مناطق لواء تعز.

منبع البركان:

- اجتذبت عدن أعداداً كبيرة من أبناء تعز بفعل سياسة البطش التي مارسها نظام الحكم الإمامي حيث هاجر كثير منهم إلى بلدان وقارات العالم في النصف الأول من القرن العشرين ومارسوا التجارة في دول مختلفة.

- غير أن الاحتلال البريطاني قابل التجار الوافدين من أبناء تعز بالتهميش المتمثل في حرمان أبنائهم من التعليم.

بادر تجار تعز المقيمون في عدن وخاصة أبناء مناطق: حيفان، الأعروق، الأعبوس، القريشة، بني شيبة، دبع.. ومعهم تجار من حضرموت أمثال: باحميش، بازرعة.. إلى إقامة مدارس خاصة فتعلم فيها الكثير من أبناء تعز.

تنمية الوعي في تعز:

استطاع أبناء تعز وخصوصا أبناء الحجرية العمل على تنمية الوعي، وتمثل في أن بعض التجار والميسورين والمشايخ قاموا بإرسال أبنائهم إلى مصر للدراسة الثانوية أو الجامعية.

- الزعيم ناصر منح اليمنيين مقاعد دراسية مجانية، وكان أغلبهم من تعز.

- كلية بلقيس بعدن، ومعهد البيحاني ومدارس تجار حضرموت، وحلقات المساجد، والجمعيات والأندية التي انتشرت في عدن أقامها أبناء عزل ومديريات تعز في عدن.

كل ذلك أدى إلى تكوين وعي وطني عارم بضرورة التخلص من الاستبداد والاستعمار وإخراج اليمن من التخلف الذي جثم عليها بسبب الاحتلال والاستبداد.

رأس الحربة:

أ. د. عبد الله محمد سعيد، جامعة تعز، والذي تفضل قائلاً: احتك الطلبة اليمنيون في الخارج بالحركات الأدبية والسياسية ورأوا أن التغيير لن يكون إلا من خلال التجمع في تنظيم سياسي، غير أنه لم يكن أمامهم تنظيم واحد في مصر تحديدا.. فقد كان فيها تنظيمات منها الإخوان المسلمون، حركة القوميين العرب، حزب البعث، والتيار الناصري.

كان أبناء تعز في مقدمة المنخرطين انتماء لهذه التيارات، وعند عودتهم شكلوا الأغلبية في قيادة هذه التيارات التي قادت ثورة الـ14 من أكتوبر كما أشرنا أعلاه.

أبناء تعز وجهة الحركات السياسية:

وجدت الحركات السياسية في الداخل والخارج بغيتها في أبناء تعز؛ كونهم متعلمين، وبطبيعة الحال فهم كأي متعلم لديه طموحات وتطلعات.

عند انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963، فإن تعز نظرا لقربها من عدن فقد وضعت خارطتها الجغرافية وسكانها تحت تصرف الثوار الذين فتحوا جبهة الجنوب المحتل.. وغدت تعز قاعدة انطلاقهم في مسار العمل الفدائي والكفاح المسلح ضد الاحتلال.

تعز تفتح ثغرات النور:

احتك أبناء تعز بتجارب الثورات، فسعوا لفتح ثغرات للنور في الجدار، وبالتالي فلا غرابة أن يتصدر أبنا تعز في إذكاء ثورتي سبتبمر وأكتوبر، بل لا غرابة أن يحتلوا مساحات داخل الصحف الرسمية يومها.. ذلك أنه في أواخر عقد الخمسينيات ظهرت ثقافة ثورية جديدة تستقرئ تجارب الثوار في بلدان العالم من خلال تسلل كتب ثورية إلى تعز، فأضافت رافداً ثقافيا إلى جانب انتشار الراديو بين الناس.

وقد أورد شاعر اليمن وأديبها الراحل عبد الله البردوني في كتابه "اليمن الجمهوري" عناوين كتب هي: «اللا منتمي» لكوني ولسن، و«تاريخ الثورات» لنهرو،
«في سبيل البعث» لميشيل عفلق، «فلسفة الثورة» لجمال عبدالناصر، «فاروق ملكاً» لأحمد بهاء الدين، «النكبة والبناء»” لوليد قمحاوي، «معالم الحياة العربية» لمنيف الرزاز.

هذه الكتب كانت تنقل بسرعة من القاهرة وبيروت إلى تعز بدءا من عام 1957م عن طريق أفراد قياديين كانوا يوزعونها عن قصد على كل مثقف شرط أن تقرأ بسرعة لتنتقل إلى قُراء آخرين، وكان الواحد منها يكفي مدرسة، وكان التوزيع يركز على طلبة الثانوية والكليات العسكرية.. هذه الكتب جابت الوطن حتى عام 1960م.

ثم دخلت عناوين جديدة أمثال: «الميثاق الوطني المصري»، «عاصفة على السكر» عن ثورة كوبا،
«باسم الحرية» لـ"نكرو" الزعيم الثوري الأفريقي،
كتاب «عارنا في الجزائر» لساتر.. هذه الكتب عربية ومترجمة كان لها دور غير عادي في تعز.

صحيفة الطليعة:

في منتصف عام 1959 ومنتصف عام 1960م، صدرت صحيفة الطليعة من تعز، ورأس تحريرها عبد الله باذيب.. انطلقت ووصلت إلى كل المدن في الجنوب والشمال.

ناصر أطلقها من تعز:

كالصاعقة.. كلمة ناصر التي وصلت مدويةً إلى كل شارع وزقاق في مدينة عدن الباسلة، أطلقها ناصر من تعز قائلا: العجوز الشمطاء تأخذ عصاها وترحل.

في صفحة 50 من كتاب "يوم ولد اليمن مجده" قال عبد الغني مطهر رحمه الله: تعز خلية نحل.. حركة دائبة متصلة بالعالم.. ينطلق منها الثوار ويعودون إليها.

يقول آخرون: تعز تحولت إلى ورشة عمل ثوري لنصرة ثورة 14 أكتوبر.. فكانت تعز قبلة الثوار وحاضنتهم التي تدربوا وتسلحوا فيها وبدعم عسكري ومادي ومعنوي من ثورة مصر عبد الناصر.. ومن تعز انطلقت قوافل المناضلين والسلاح إلى جبهات القتال والعمل الفدائي، أولها عملية صلاح الدين بمساعدة ضباط مصريين هزت كيان الاحتلال في كريتر.. ومن ينسى معسكر صالة مصنع الفدائيين؟

إذاعة تعز:

في نهاية عام 1964م تم افتتاح إذاعة تعز والتي بثت من لحظاتها الأولى برامجها الثورية الموجهة إلى أبطال الكفاح المسلح والفدائيين في جبهة الجنوب، وإلى أبناء اليمن في مناطق مختلفة.

الدور الثقافي لإذاعة تعز كان له عمق ثقافي ثوري مؤآزر ضد فلول الملكية والاحتلال البريطاني.. بل إن إذاعة تعز ذاتها كانت موجهة خصوصا لدعم ثوار 14 أكتوبر، فقدمت دورا بارزا في برامجها الثورية ومتابعة سير الأعمال العسكرية أولا بأول.

وليس أخيرا:

الحاج حمود الذي ناهز الثمانين من عمره، وهو من عزلة قُياض مديرية التعزية تحدث وبكل ارتياح واعتزاز وطني وبلغة بسيطة قائلا: وقع الاختيار عليّ أنا واخي كوننا نعمل "بحارة" وكنا منخرطين في حركة التحرير، وقدم الزعيم ناصر ثمن صفقة أسلحة شخصية للثوار من كندا، ولأن بريطانيا حاضرة في المياه الإقليمية والدولية فإنه من الصعوبة وصول الصفقة إلا عن طريق التهريب.. وتحركنا بصحبة خبراء بحركة السير وأماكن الاختفاء وزمن التحرك وظلينا 65 يوما بالتمام.. وسرد أماكن الاختفاء واحدا واحدا.. ووصلنا ليلا إلى مكان على الساحل وسلمنا الصفقة للمعنيين ورفعنا برقية مشفرة لناصر والذي بدوره صفق إعجابا ومنحنا شهادتي تقدير.

وبعد:

يا أيها اليمنيون العقلاء.. أليس من حقنا أن نتساءل: لم هذا النكران لمواقف تعز؟ تعز التي سعت وما زالت ساعية نحو تعزيز الحب والإخاء ومع ذلك تلاقي هذا الموقف المنتكس المتنكر للتاريخ الأخوي الوطني؟

يا أيها الحقاد الانتقاميون نذكركم بالبيت التالي:

سوف تعلم إذا انجلى الغبارُ
أفرس تحتك أم حمارُ؟

والبيت الشعري التالي:

ستبدي لك الأيام ما كنت غافلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ

كلمات دالّة

#اليمن