الجمعة 29-03-2024 05:07:18 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الهاشمية السياسية.. تدمير اليمن أرضا وإنسانا .. الحلقة الثانية: بواعث الحقد

الإثنين 22 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص - أ. عبد العزيز العسالي

  

في الحلقة الأولى تحدثنا باختصار شديد حول فضائع "الرسِّيَّة" في اليمن، وأوردنا صوراً قليلة جدا لتلكم الفضائع في مجالات مختلفة، هذه الصور الفضيعة ضد الإنسان اليمني ليست افتراء ضد الهاشمية السياسية وإنما هي تصرفات تعتبرها الهاشمية السياسية مفاخر صادرة عن عظماء.

والدليل أن كتب التراجم الخاصة بحكام الهاشمية السياسية حفلت بتلك الفضائع بوصفها فتوحات لإقامة شرع الله.

وعليه، فإننا سنبدأ بالحديث حول العوامل والأسباب التي وظفتها الهاشمية السياسية في تدمير اليمن أرضا وإنسانا، الأمر الذي يجعلنا والقارئ العزيز نتساءل:

ــ ما هي العوامل التي ساعدت حكام الهاشمية السياسية على ارتكاب تلكم الفضائع إشباعا لأطماعهم وإفراغا لمخزون حقدهم الخبيث الأسود تجاه أبناء اليمن؟

بعبارة أخرى: ما هي العوامل والأسباب التي أخضعت اليمنيين وهم الأباة الشجعان؟ وكيف رضخ اليمنيون وهم المعروفون عبر التاريخ بقوة الشكيمة والإقدام ورفض الضيم والتسلط مهما كانت قوته؟
ثم ما هي بواعث حقد الهاشمية السياسية؟

أبرز العوامل والأسباب

أبرز العوامل والأسباب التي استغلتها الهاشمية السياسية في تدمير اليمن أرضا وإنسانا في سبيل إشباع نزواتها تتمثل فى:

1ــ القبيلة أكبر العوامل وهي وقود الحرب

سجل التاريخ أن أبرز العوامل التي وظفتها الهاشمية السياسية لصالح مشروعها السلالي هي القبيلة.

تحت هذا العامل تعددت العوامل والأسباب ومنها ثقافة الفيد لدى القبيلة اليمنية والتي ترفض أي عمل ولو كان تجارة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، كان لدى الرسي معلومات إضافية حول موقف القبيلة اليمنية المتفلت الرافض والمتمرد على مركز الخلافه العباسية يومها.

استطاعت الهاشمية السياسية توظيف هذا التفلت، ومن ثم تخدير القبيلة من خلال خطاب مغلف بالدين والشرع ومكانة الشرف الديني والدنيوي لمن سيجاهد في استعادة الحق الإلهي المسلوب المتمثل في حق آل البيت بالحكم.

2ــ اللُّــعَـاعَــةُ والتِّـبْـنُ**

مـن المعلوم أن ثقافة القبيلة محدودة، الأمر الذي جعلها تستجيب للخطاب الديني، غير أن الهاشمية قدمت لغة الفيد للقبيلة فكان أقوى
فاتح لشهيتها.

هذا الخطاب بدأ من اللحظات الأولى التي وصل فيها الرسي إلى صنعاء حيث عزف على وتر الفيد واعداً القبيلة بأنها لو ناصرته على إقامة الشرع المتمثل في أحقية آل البيت بالحكم وتحقيق العدل فإنه سيغزوا بها مركز الخلافة العباسية، وسيمنح القبيلة حكم بغداد، وكذا خزائن الدولة العباسية وممتلكات السكان الذين لم يبايعوا السليل الهاشمي.

هنا تحولت قبائل شمال الشمال إلى (أتون ــ تنور) مستعر لا تخمد ناره ولا ينطفئ أوارُهُ، فحققت الهاشمية السياسية أطماعها ونزواتها، بل وأفرغت مخزون أحقادها، كما سنوضح في المحور الثاني.

3ــ التصاهر بين الهاشمية والقبائل

كثيرة هي القبائل التي صاهرت الهاشمية لإحلال بركة النبوة أولاً، ثم ذريعةً لاستحلال دماء وأموال الآخر ثانيا، ولو كان الآخر القبيلة المجاورة.

وأحيانا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا

4ــ تقسيم مناطق اليمن

أشرنا في الحلقة السابقة أن الرسي قسم المناطق مذهبيا واقتصاديا:
ــ همدان وحراز خوارج.
ــ برط وعمران وقبائل.
- محيط صنعاء وصولا إلى ذمار هؤلاء جيش.
ــ إب، ريمة، تهامة، البيضاء، تعز، هذه مناطق خراجية، أي مصادر مالية لخزينة الهاشمية السياسية.

5ــ ظل هذا التقسيم حاضرا بقوة في مخيلة القبائل، سواء اتفقت مع الهاشمية أو اختلفت، والشعار: هنا العيش.. وهنا الجيش. وهذا معناه -باختصار- أن المناطق الخراجية أموالها مباحة.

لم تعدم الهاشمية السياسية وسائل الاستباحة، دينية أو سياسية لأموال المواطنين، وأقرب مثال رسالة "يحيى حميد الدين" إلى السلطان عبد الحميد (تركيا) وذلك قبل أن يعلن ابن حميد الدين تمرده على آل عثمان، فقد وجه رسالة للسلطان العثماني خلاصتها إعفاء حاشد وبكيل من الزكاة كونهما جيش الدولة تنفيذا للشعار "هنا الجيش... إلخ".

6ــ تكريس الجهل القاتل والتخريف والإضلال من خلال الاقتصار على الخطاب التعبوي حول "إقامة الشرع"، أي شرع هذ؟ الجواب: تنصيب الهاشمية السياسية حكاما أولا، أما ثانيا فهو تبليغ الشرع.

فما هو الشرع؟ هو رفع الأذان في المناطق المفتوحة المتضمن "حي على خير العمل"، هذان هما شرع الله فقط.

ــ الجدير ذكره أن التاريخ سجل قرابة 96 اقتحاما لصنعاء قامت به القبائل، كان آخرها أيام ثورة 1948، وأحدث اقتحام نعلمه جميعا هو الذي تم في 21 سبتمبر 2014.

المحور الثاني: بواعث الحقد على اليمنيين

معطيات ولدت سؤالاً: وقفت طويلا أمام فضائع الهاشمية السياسية، ومع أن الأطماع هي غريزة بشرية عند الهاشمية وغيرها، لكن الذي لفت نظري أمرين: الأول،
أنه في كل البلدان يوجد هاشميون يحكمون ولكنهم لم يرتكبوا فضائع ضد الإنسان والحضارة والفكر كما فعلت الهاشمية في اليمن.

إذن، لدينا معطيات كثيرة أهمها:
1ــ (كلام ابن النديم)
- سبق وأن ذكرت في الحلقة الأولى أن ابن النديم ترجم في كتابه "الفهرست" للعلامة النسابة أبو الحسن الهمداني وكتابه المشهور "الإكليل"، وقد ذكر ابن النديم سبب ضياع الكتاب.

2ــ ثاني المعطيات:
ــ توقفت طويلا وأعدت النظر تكرارا ومرارا إزاء مجازر الهاشمية السياسية والتي تحمل في طياتها دلالات مذهلة تكشف عن حقد تجاه اليمنيين غير مسبوق، منها:
ــ موقف السفاح ابن حمزة ضد اليمنيين عموما وفي حراز خصوصا وضد نشوان الحميري بشكل أخص، هذا أولا.
ــ موقف محققي قصيدة نشوان الحميري ثانيا، واللذَين سعيا بكل وسائل التشكيك لطمس الحقائق وتكذيب التاريخ فكادا يقولان، لكنهما تركا القرار للقارئ، إنه لا يوجد شخصية اسمها نشوان الحميري، ثانيا.

3ــ معطى ثالث:
تحريف كلام الشوكاني في "البدر الطالع" وتحويله إلى مديح للسفاح الهاشمي ابن المطهر.

4ــ معطى رابع:
تحريف أحمد يا جناه لكتاب "السيل الجرار" للشوكاني أدخل فيه مذهب الهاشمية، الأمر الذي أدى إلى صدمة عنيفة للجنة الأزهر بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، ولولا عناية الله أن النسخة الأصلية لكتاب السيل الجرار كانت محفوظة لدى حفيد أحد تلامذة الشوكاني.

5ــ معطى خامس:
هذه المعلومة للاستئناس فقط، كوني لم أقف على مصدرها، وخلاصة المعلومة أن باحثا يمنيا قدم رسالة ماجستير حول "يحيى الرسي"، الذي قدم إلى صعدة، وقد انتهى الباحث إلى أن الذي قدم إلى صعدة ليس يحيى الرسي ولا هو من سلالة الحسن بن علي، وإنما الذي حصل أن الفرس قتلوا يحيى الرسي يوم قدم طبرستان وأرسلوا شخصا فارسيا مؤدلجا لإقامة دولة الفرس في اليمن.

غير أن هذه الرسالة الجامعية لم تصلني وإنما وصلتني معلومة شفوية الأمر الذي جعلها ضعيفة الدلالة لعدم موثوقيتها العلمية.

6ــ مُعطى سادس:
ــ ما يعزز فكرة الرسالة الجامعية الآنفة الذكر هو الحقد الفارسي تجاه المسلمين عموما واليمنيين خصوصا، كون اليمنيين كان لهم اليد الطولى في إسقاط إمبراطورية الفرس كالمثنى بن حارثة الشيباني والنعمان بن مقرّن وآخرون كثير. (للمزيد راجع على سبيل المثال قادة الفتح لمحمود شيث خطاب رحمه الله، أو كتاب يمانيون في موكب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمحمد حسين الفرح).

7ــ معطى سابع:
قبائل اليمن الأسفل كانت كلها في جيش معاوية يوم صفين، أليس هذا من أقوى البواعث؟ وعليه فإن
هذه المعطيات عززت مكانة السؤال القائل: لماذا هذا الحقد على اليمن واليمنيين؟

أليست تلكم المعطيات تحمل دلالة أنه لا يوجد أي صلة للهاشمية السياسية في اليمن بالحسن ولا بفاطمة ولا البطنين ولا هم يحزنون؟

ــ لماذا يسجن الهمداني حتى الموت؟
ــ لم تم إتلاف كتابه في التاريخ والأنساب (الإكليل)؟ أليس هو الذي عرى دعوى نسب الرسية والهاشمية كما قال ابن النديم؟ بمعنى أنه هتك أستار الفارسية؟

- لماذا يطارد نشوان الحميري من بلده؟ هل لأن قصيدته عرت الفارسية الدخيلة باسم الهاشمية؟

ــ لماذا عمدت شخصيات من العيار الثقيل للتشكيك في شخصية نشوان الحميري؟ لماذا الهاشمية السياسية دمرت اليمن أرضا وإنسانا بخلاف بقية الأسر الهاشمية التي حكمت في بلدان كثيرة؟

أليست هذه تساؤلات جديرة بالتوقف عندها؟ ومزيد من البحث والتقصي وصولا إلى بواعث الحقد الإجرامي تجاه اليمن؟

هذه تساولات مشروعة وذات قوة في معطياتها، وإذا كانت المعطيات بهذه القوة، ألا يكون تساؤلنا هنا قد اكتسب وجاهة واقترب بنا من بواعث حقد الهاشمية السياسية ضد اليمن واليمنيين حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م؟

نلتقي بعون الله مع الحلقة الثالثة والأخيرة: الهاشمية السياسية بين 1962 ــ 2019.. ألوان الحرباء،
إفساد وإهلاك وتدمير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
** هامش
اللعاعة: عشب ينبت بعد هطول المطر بيومين ولكنه سرعان ما يموت إذا لفحته أشعة الشمس. وورد حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاهد في المقام: "إن من الربيع ما يقتل حبطاً". المعنى أن هذا العشب تفرح به الماشية من الأنعام وتلهث وراءه ولا تشبع فتنتفخ بطونها جدا ثم يحصل لها "ثلطٌ" أي إسهال فتموت على إثره.. تلك هي لعاعة الهاشمية السياسية، وبقية الدلالة واضحة.