الجمعة 19-04-2024 16:57:38 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حرث الأرض وطمس المعالم والرموز.. المشروع الحوثي يستهدف الهوية اليمنية

الثلاثاء 19 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص

  

منذ انقلابها على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، بدا واضحاً أن الحركة الحوثية السلالية تسعى إلى طمس الهوية اليمنية وواجهتها الجمهورية التي انطلق ماردها في الـ26 من سبتمبر 1962، ورموزها الوطنيين الذي كان لهم شرف صنع أكبر إنجاز لليمنيين في تاريخهم المعاصر.


بادرت المليشيات الحوثية الممولة من إيران إلى انتهاج سلوك طائفي في محاولة لصبغ المجتمع بأفكار إيرانية وإرغام الناس عليها، ونفثت سموم أحقادها المتوالية على الهوية اليمنية بممارسات إستعلائية مستمدة من خرافة "الاصطفاء الإلهي"، ورأت أن ذلك يبدأ بتغيير هوية الجيل بمراكز صيفية وأنشطة تشحنهم بالتعصب السلالي والطائفي عوضاً عن الهوية الوطنية والقومية للشعب اليمني، وعمدت إلى العبث بمناهج التعليم وفق الصيغة الخمينية، وترافق كل ذلك مع عملية ممنهجة لإحلال عناصرها الأكثر عنصرية وتعصباً في الوظائف الحكومية.


ووصل العبث بالهوية اليمنية إلى تدمير المكتبات العامة والمتاحف، وحرق الكتب، وجرف الآثار والمتاجرة بها، واستهداف كل ما يتعلق بالتاريخ اليمني والحركة الوطنية اليمنية، ووصل العبث إلى تغيير أسماء الشوارع والمؤسسات التي تحمل أسماء رموز وطنية، واستبدلت العديد منها بأسماء ترمز إلى المشروع الحوثي الإيراني السلالي وقيادات مليشاوية تبنت المشروع الإمامي العنصري المقيت، بل تجاوزت ذلك إلى استهداف النصب التذكاري للجندي المجهول في العاصمة صنعاء ودفنت فيه أحد قياداتها مع مرافقيه وهو الصريع صالح الصماد، في استفزاز وتحدٍ واضح لمشاعر اليمنيين وتضحياتهم.

  

التجهيل ومحو المآثر التاريخية

ولأن تاريخ الإمامة في اليمن حافلاً بالجهل والتجهيل، فذلك لأن أصحاب هذا المشروع يرون في العلم والتعليم عدوهم الأول الذي يعيق نشر أفكارهم التي هي الجهل بعينه، وهو ما تكرره اليوم الحركة الحوثية في ثوبها الإيراني الجديد، التي وضعت نصب عينيها تجهيل الجيل اليمني، وألحقت بالتعليم ومؤسساته دماراً شاملاً بنية ومضموناً.


وتقود المليشيات الحوثية في المحافظات الخاضعة لسيطرتها عملية استئصال واسعة للمعلمين والقيادات التربوية التي لا تواليها، وفي سبيل إلحاق أبلغ الضرر بالتعليم لجأت إلى سرقة رواتب المعلمين، وتمارس أنواع الترغيب والترهيب بحق العاملين في قطاع التعليم.


وضمن ممارساتها لمحو آثار ولادة اليمن الجمهوري أقدمت ميليشيات الحوثي على نهب عدد من الصور والوثائق المهمة الخاصة بأحداث اليمن وثورة 26 سبتمبر 1962 التي أصبحت الهوية الأبرز لليمن، وتسعى لاستبدالها باحتفالات وفعاليات طائفية دخيلة على المجتمع اليمني، لتعمل على تسويق المذهب الإيراني والهوية الإيرانية في أوساط المواطنين في صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية، بنشر رسومات وألوان الهوية الفارسية والمذهب الإثنا عشري المتطرف، علاوة على ما تصر عليه من محو المآثر التاريخية ومصادرة وإحراق المخطوطات والكتب النادرة وتمزيق النسيج المجتمعي وتغيير المناهج الدراسية بصورة طائفية، بل إنها أحالت متاحف ومواقع أثرية إلى ثكنات ومخازن أسلحة في حقد واضح على تاريخ اليمن وحضارته.

  

جرائم تطال التاريخ اليمني

ولم يتوقف المشروع الحوثي الإمامي عند هذا الحد من العدوان على تاريخ اليمن وحضارته، بل تجاوزه إلى الحقد على الموروث والتراث والآثار اليمنية، وامتدت ضراوته إلى النهب المنظم، وتهريب القطع الأثرية النادرة، وسرقة وإحراق مخطوطات تعود إلى آلاف السنين.
ولعل أبرز ما ارتكبته الحركة الإمامية الجديدة في هذا الجانب شن حربٍ خفية، استهدفت معالم مختلفة في صنعاء القديمة. وفي يناير الماضي، أقدمت على نهب محتويات متحف بينون الأثري في الحداء بذمار، بينما تعرضت المدينة التاريخية المعروفة «زبيد» التي كانت تمثل شعلة تنويرية، لضربات هي الأخطر فواجهت آثار زبيد النهب والتدمير الحوثي والتهجير القسري والتفخيخ بالعبوات قرب المباني الأثرية، وجرائم طالت التاريخ والأرض والإنسان معاً.


ونهاية يناير الماضي، أدانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" قيام مليشيات الحوثي بسرقة مخطوطات وكتب تاريخية وعلمية ونفائس نادرة من مكتبة مدينة زبيد، فقد تعرضت مكتبة زبيد لنهب بصورة همجية لم يسبق لها مثيل.
وطالت أيدي الخراب الحوثية 120 موقعًا أثريًا خلال الفترة من 2015 حتى 2018، طبقًا لإحصائيات مركز السلم الاجتماعي اليمني ومنظمة سام الدولية للحقوق وتحالف رصد لانتهاكات حقوق الإنسان، أهمها تدمير متحف تعز وحرقه، وإخفاء وثائق وصور تاريخية من المتحف الحربي بصنعاء.
وآخر نفثات الحقد الحوثية في الأيام الأخيرة تمثلت في إحراق مكتبات في محافظة ذمار، وفي مديرية بني بهلول بصنعاء، وذلك يأتي في سياق محاولة جرف الهوية الوطنية وطمسها وإحلال الهوية الطائفية الإمامية مكانها.

  

تاريخ من الاستهداف

يعيد رئيس مركز يمنيون للدراسات الدكتور فيصل علي قراءة في التاريخ اليمني القريب، فمنذ خروج العثمانيين من اليمن عام 1918، يقول إن اليمن تعرضت لنهب منظم لآثارها، من قبل الرجعية الحاكمة باسم الهاشمية السياسية في الشمال، بينما كان الاحتلال الإنجليزي ينهب الآثار اليمنية في الجنوب. ويضيف: "وللأسف حتى بعد عودة اليمنيين للحكم بعد عامي 1962و 1963 ظلت الآثار اليمنية تنهب وتباع في الأسواق السوداء، ولقد مثل نظام الرئيس السابق صالح أسوأ مرحلة لتهريب الآثار والإتجار بها من قبله شخصيا وعصابات تنتمي للحرس الجمهوري ووزارة الدفاع إلى جانب مهربين محليين كان لهم الأثر السيئ في نبش الأرض الأثرية والمقابر العتيقة والإتجار بتراث اليمن وحضارته الممتدة لأكثر من 6000 سنة".
ويشير فيصل علي لـ"الإصلاح نت" إلى ما حملته ملازم الصريع حسين الحوثي من استهتار بالحضارة اليمنية ونصت على أن الآثار هي أصنام، في حين كانت كل أجهزة الدولة والأحزاب السياسية في غفلة وسبات عميق، كما لم تكن هناك منظمات مجتمع مدني تطالب بالحفاظ على الآثار، وكان هناك تساهل رسمي وشعبي ونخبوي تجاه الآثار، وامتلك النهابة أجهزة متطورة للبحث عن الآثار في إب وحجة ومأرب والجوف.


ويرى أن الحوثي اليوم يكمل مسيرة نظام صالح في نهب الآثار وبيعها، بالإضافة إلى أنه يبحث في إخفاء كلما هو يمني، ويريد القول إن اليمن لم تكن شيئا قبل ظهور الرسي الذي جاء من طبرستان في عام 282 هجرية. ويستطرد بالقول: "وهنا تكمن الخطورة في بعدها العقائدي والعرقي والسلالي المتعصب، إن كان بالأمس العمل يتم بغرض السرقة والتجارة فهو اليوم يتم لأجل تجريف أسس هامة تعد من ركائز الحضارة والهوية والدولة اليمنية".
بينما يعتقد الكاتب الصحفي حسين الصوفي أن الهدف الأخطر لعصابة الحوثي الإرهابية هو الانقلاب على ثورة ٢٦ سبتمبر 1962 والتي تمثل هوية اليمني الأصيل الحر، ولهذا تم اختيار ٢١ سبتمبر للانقضاض على صنعاء على الرغم أنهم كان بإمكانهم السيطرة عليها قبل ذلك بشهور، "لكن حقدهم الدفين والقبيح على اليمنيين وهويتهم جعلهم يختارون تاريخا قريبا لتاريخ الحرية العظيم بالنسبة لليمنيين".
ويضيف الصوفي لـ"الإصلاح نت" أن هذا الهدف القذر لم يعد خافيا بل يتجلى في تدميرهم لكل رموز الثورة ودلالات هوية اليمن بدءا باستهداف تغيير اسم شارع الزبيري وصولا إلى تدمير المتاحف ونهبها والسعي إلى شيطنة كل الرموز اليمنية في الماضي والحاضر وانتهاءً بالحسينيات وإحراق المكتبات والمصاحف.

  

حرث الأرض

يؤكد رئيس مركز يمنيون أنه ينبغي مواجهة هذا الفكر السلالي العرقي الطائفي المتعصب بفكر الدولة والحضارة والهوية ولا يجب مواجهته بعصبية وعرقية وطائفية مماثلة.
وينبه فيصل علي إلى أنه لا يوجد أقليات في اليمن فهو شعب واحد ودين واحد، ولا مذهبية حقيقية، ويرى أن مناهج 26 سبتمبر و 14 أكتوبر قد كنست الفكر المذهبي الطائفي وآمن الناس بمذهب الجمهورية، وبعد عام 1990 اختار الشعب الديمقراطية، ويعتبر هذه (الجمهورية والديمقراطية) مكتسبات لا يجب التراجع عنها مهما كانت الظروف. وقال: "لنتذكر أننا دولة وما يحدث مجرد انقلاب زائل بلا شك".


أما الكاتب الصحفي حسين الصوفي فيعتقد جازماً أن الحوثيين يقومون بمهمتهم كعصابة وذراع إيرانية قبيحة على أكمل وجه ضمن إستراتيجية إيران التي أطلقت عليها "حرث الأرض" كما تقوم بذلك مليشيا الحشد في العراق وسوريا.
ويستطرد الصوفي: "غير أن عصابة الحوثي الإرهابية تحرق الأرض لأن تاريخها بالنسبة لليمنيين كارثي وأسود ولن يقبلوا مطلقا بعودة الكهنوت".

  

جهود الحفاظ على الهوية

يؤكد الدكتور فيصل علي أن الهوية اليمنية عصية على الطمس، وأن الحوثي لن يستطيع طمس هوية الشعب اليمني بكل ما يقوم به من حملة مسعورة، فهناك مقاومة مسلحة على الأرض تشكلت وانتظمت في صفوف الجيش الوطني "جيش الدولة"، وهناك حراك سياسي وثقافي أحدثته ثورة 11 فبراير وجاء الانقلاب فتحول هذا الحراك الثوري إلى مقاومة شرسة مسلحة وإعلامية وثقافية وسياسية ومدنية، وعليه فإن الحوثي خسران والهوية باقية.
ولفت إلى ما يقوم به شباب اليمن في "تيار يمنيون" من جهود للحفاظ على الهوية والحضارة والدولة والأمة اليمنية والوطن وما يُبذل في مختلف المجالات من جهود مماثلة وربما أكبر للحفاظ على الهوية، التي لا يمكن فصلها عن الأمة اليمنية ولا عن الدولة اليمنية ولا عن الوطن ومكتسباته وقيمه العليا.

  

تحصين الهوية

وعن كيفية تحصين المجتمع في الداخل المحتل من الحوثي، يشدد الدكتور فيصل علي على أن الفكر هو الوقاية من أمراض التعصب السلالية والمناطقية والطائفية والعرقية، ويؤمن أن اليمن لا تقبل القسمة على العرقيات والطوائف. وتابع بالقول: "اليمن لشعبها وهذا ما نؤمن به وما نراه واقعا ومستقبلا".
أما الكاتب الصحفي حسين الصوفي فيعتقد أن الحسم العسكري هو الحل الأمثل والأسرع لإيقاف هذا الخطر الذي يعتمد على التدمير وليس الإحلال فحسب.
ويضيف الصوفي: "هناك فرق بين من يمكنه تبديل شيء مكان آخر، مع أنه خطر لكن الأخطر منه التدمير"، مستدركاً بالقول: "والحل العسكري هو الحل الأمثل والأكثر أهمية لإنقاذ عقول اليمنيين وإيقاف هذه الجرائم الكارثية التي تؤسس لفتنة طويلة الأمد".